فقالوا : الفقه فى الدين أفقه من الفقه فى العلم ، وسمّى أبو حنيفة كتابه فى العقيدة «الفقه الأكبر» (١) ويقول «وقد تعاون على نشوئه وارتقائه أسباب كثيرة بعضها داخلى وبعضها خارجى ، وأعنى بالأسباب الداخلية ، أسبابا صدرت من طبيعة الإسلام نفسه والمسلمين أنفسهم ، وبالأسباب الخارجية أسبابا أتت من الثقافات الأجنبية والديانات المختلفة غير الإسلام» (٢).
فقد تعرض القرآن لأهم الفرق والديانات التى كانت منتشرة فى عهد الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأمر الرسول أن يدعو دعوته ويجادل مخالفيه (٣) ثم هدأت الحروب وثاب الناس ، فأخذوا ينظرون ويبحثون ، ويتوسعون فى النظر والبحث ، ويدرسون وجوه الفروق والموافقات فاختلفت وجهات النظر وتباينت أصول الآراء تبعا لذلك. ولعل مسألة الخلافة كان لها النصيب الأوفى من جدل المسلمين وخصامهم ، ومن تشاحنهم فى آرائهم نبتت المذاهب.
هذا. وأنّ كثيرا ممن دخلوا الإسلام بعد الفتح ، كانوا من ديانات مختلفة ، يهودية ونصرانية ومانوية ومزدكية وغيرها. ولما اطمأنوا بدءوا ينظرون إلى الاسلام فى أصوله من خلال تعاليمهم الدينية ، التى كانوا عليها. ثم يقارنون فيهاجمون ، فحقّ الرد عليهم (٤).
__________________
(١) أحمد أمين ـ ضحى الاسلام ـ ط ٦ ـ القاهرة ١٩٦٢ م ٣ / ٩ و ١٠ ـ لجنة التأليف والترجمة والنشر.
(٢) أحمد أمين ـ ضحى الاسلام ـ ٣ / ١ ط ٦.
(٣) قال تعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتى هى أحسن ـ (النحل ـ ١٢٥)
(٤) يقول ابن خلدون «إن الأول الذين أسلموا وكانوا من أهل الكتاب مثل كعب الأحبار ووهب بن منبّه وعبيد الله بن سلام احتفظوا من عقائدهم القديمة المسيحية واليهودية ، بكل ما لا يتنافى مع الإسلام ولا سيما الروايات المتعلقة ببدء الخلق» ، المقدمة ص ٣٤٩ ط القاهرة ، ويقول المستشرق لويس غردية والأب قنواتى «لقد يصعب على الباحث أن يتبين القدر الذى أثرت به مناظرة المزدكيين والمانويين على الاجتهادات الكلامية الأولى فى الإسلام ، ولنا أن نوجز التوصل إلى التوضيحات التاريخية اللازمة فى هذا الصدد ـ إلا أنّا ـ على كل حال ـ لن نكون مغالين ـ مهما نقل ـ فى تقديرنا لأهمية تلك العلاقات الثقافية المختلفة فى نشأة علم الكلام «فلسفة التفكير الدينى بين الاسلام والمسيحية» ١ / ٥٩. ترجمة الدكتور صبحى الصالح ، والأب فريد جبر ، الطبعة الأولى. بيروت ١٩٦٧ م.