النظام «ثم قال (أى ابن الراوندى عن النظام) وكان يزعم أن نظم القرآن وتأليفه ليسا بحجة للنبى صلىاللهعليهوسلم ، وأن الخلق يقدرون على مثله ثم قال (أى ابن الراوندى) هذا مع قول الله عزوجل «قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله» اعلم ـ يقول الخياط ـ علّمك الله الخير ، أن القرآن حجة للنبى عليهالسلام ، وعلى نبوته عند إبراهيم من غير وجه. فأحدها : ما فيه من الأخبار عن الغيوب ، مثل قوله «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض» الآية ، ومثل قوله (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ، وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) وقوله (أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ثم قال (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) فما تمناه منهم أحد. ومثل قوله (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) الآية. مثل أخباره عما فى نفوس قوم ، وبما سيقولونه. هذا وما أشبه فى القرآن كثير ، فالقرآن حجة عند إبراهيم ، حجة على نبوة النبى صلىاللهعليهوسلم من هذه الوجوه وما أشبهها وإياه عنى الله بقوله («قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) (١).
وهذا دفاع ليس فيه إلّا تقرير رأى النظام فى أن الأعجاز فى الأخبار بالغيب. وقد أغفل مسألة أخرى ، وردت فى مختلف كتب الفرق عن النظام ، يذكرها الأشعرى فى مقالاته قائلا «وقال النظام : والآية والأعجوبة فى القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب ، فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لو لا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم» (٢).
واستعراض بعض آراء النظام تكشف عن زيف نسبة رأى الصّرفة إليه ، بالصورة التى يروجها الأشاعرة عنه. «فالإنسان عنده حى مستطيع بنفسه لا بحياة ، واستطاعته هى غيره ، وتبقى الاستطاعة على الفعل حتى تحدث به آفة» (٣) وهذا الإنسان «لا يقدر على ما لا يخطر بباله» (٤) أى أن قدرة الانسان مقيدة بمدى علمه ومدى ما يخطر بباله ، فالقدرة تابعة للعلم بل الإرادة نفسها
__________________
(١) الخياط ـ الانتصار ـ ٤١.
(٢) الأشعرى ـ مقالات الإسلاميين ـ ١ / ٢٧١.
(٣) نفس المصدر ـ ١ / ٢٢٩.
(٤) نفس المصدر ـ ١ / ٢٣٩.