وتبعه أبو تمام فقال (١) :
هنّ الحمام فإن كسرت عيافة |
|
من حائهنّ فإنّهنّ حمام (٢) |
فمن ذا الذى جهل أنّ الحمام إذا كسرت حاؤها صارت حماما.
وإنما أراد أبو نواس أنه يشبه الجيم لا يغادر من شبهها شيئا ، حتى لو زدت عليها هذه الأحرف صارت جعفرا لشدّة شبهها به ، وهو عندى صواب ، إلا أنه لو اكتفى بقوله : «كعطفة الجيم بكف أعسرا» ولم يزد الزيادة التى بعدها كان أجود وأرشق وأدخل فى مذاهب الفصحاء ، وأشبه بالشعر القديم.
وأما قول أبى تمام فله معنى خلاف ما ذكره ، وذلك أنه أراد أنك إذا أردت الزّجر والعيافة أدّاك الحمام إلى الحمام ، كما أنّ صوتها الذى يظنّ أنه بكاء إنما هو طرب ، ويؤدّيك إلى البكاء الحقيقى (٣) ؛ وهذا المعنى صحيح ؛ إلا أن المعنى إذا صار بهذه المنزلة من الدّقة كان كالمعمّى ؛ والتعمية حيث يراد البيان عىّ.
ومن عيوب المعنى قول أبى نواس فى صفة الأسد (٤) :
كأنما عينه إذا نظرت |
|
بارزة الجفن عين مخنوق |
فوصف عين الأسد بالجحوظ ، وهى توصف بالغئور ؛ كما قال الرّاجز (٥) :
كأنّما ينظر من خرق حجر
وكقول أبى زبيد :
كأن عينيه فى وقبين من حجر |
|
قيضا اقتياضا بأطراف المناقير (٦) |
__________________
(١) ديوانه : ٢٧٩.
(٢) الحمام ، بكسر الحاء : الموت.
(٣) هذا إشارة إلى معنى بيتين سبقا هذا البيت وهما :
انحدرت عبرات عينك إن دعت |
|
ورقاء حين تضعضع الإظلام |
لا تشجين لها فإن بكاءها |
|
ضحك وإن بكاءك استغرام |
(٤) الشعر والشعراء ٧٧٥ ، والديوان ٩٠
(٥) أراجيز العرب : ٢٢ ، والراجز هو حميد الأرقط : وروايته هناك
كأنما عيناه فى حرفى حجر
(٦) الشعر والشعراء ٧٧٥ ، الوقب فى الحجر : نقرة يجتمع فيها الماء. وقيضا : حفرا.