معانى هذه القصيدة بأسرها ؛ لعادتنا بسماع مثلها ، لا لأنّا أعرف بالكلام من الأعراب.
ومما يؤيّد ما قلنا من أنّ البلاغة إنما هى إيضاح المعنى وتحسين اللفظ قول بعض الحكماء : البلاغة تصحيح الأقسام ، واختيار الكلام. إلى غير ذلك مما سنذكره ونفسّره فى هذا الباب إن شاء الله.
وقال محمد بن الحنفية رضى الله عنه : البلاغة قول تضطرّ العقول إلى فهمه بأسهل العبارة ؛ فقوله : «تضطر العقول إلى فهمه» عبارة عن إيضاح المعنى ، وقوله : «بأسهل العبارة» تنبيه على تسهيل اللفظ وترك تنقيحه. ومثل ذلك من النثر قول بعضهم لأخ له :
ابتدأتنى بلطف من غير خبرة ، ثم اعقبتنى جفا من غير هفوة ، فأطمعنى أوّلك فى إخائك ، وأيأسنى آخرك من وفائك ؛ فسبحان من لو شاء كشف إيضاح الرأى فى أمرك عن عزيمة الشكّ فى حالك ؛ فأقمنا على ائتلاف ، أو افترقنا على اختلاف.
وقول الآخر : لم يدع انقباضك عن الوفاء ، وانجذابك مع سوء الرأى فى ملاحظة الهجر ، والاستمرار على العذر ، محرّكا من القلب عليك ، ولا خاطرا يومى إلى حسن الظنّ بك. هيهات انقضت مدّة الانخداع لك حين أخلفت عدة الأمانى فيك ، وما وجدنا ساترا من تأنيب النّصحاء فى الميل إليك ، والتوفّر عليك ؛ إلا الإقرار بطاعة الهوى ، والاعتراف بسوء الاختيار.
وكتب بعض الكتّاب إلى أخ له : تأخرت عنى كتبك تأخّرا ساء له ظنى ، إشفاقا من الحوادث عليك ، لا توهّما للجفاء منك ؛ إذ كنت أثق من مودّتك بما يغنينى عن معاتبتك.
ومما هو فى هذه الطريقة ، وهو أجزل مما تقدّم ما أخبرنا به أبو أحمد عن أبى بكر ابن دريد ، عن عبد الرحمن ، عن عمه ، قال : وقف علينا أعرابى ونحن برملة اللّوى ،