وينبغى أن يظهر الناسب الرغبة فى الحبّ ، وألّا يظهر التبرّم به ، كأبى صخر حين يقول (١) :
فيا حبّها زدنى جوى كلّ ليلة |
|
ويا سلوة الأيّام موعدك الحشر |
وقول الآخر :
تشكّى المحبّون الصّبابة ليتنى |
|
تحمّلت ما يلقون من بينهم وحدى |
فكانت لنفسى لذة الحبّ كلّها |
|
ولم يلقها قبلى محبّ ولا بعدى |
وينبغى أن يكون فى النسيب دليل التدلّه والتحيّر ، كقول الحكم الحضرى :
تساهم ثوباها ففى الدرع رأدة (٢) |
|
وفى المرط لفّاوان ردفهما عبل |
فو الله ما أدرى أزيدت ملاحة |
|
وحسنا على النسوان أم ليس لى عقل |
وقيل لبعضهم : ما بلغ من حبّك لفلانة؟ فقال : إنى أرى الشمس على حيطانها أحسن منها على حيطان جيرانها.
ولما كانت أغراض الشعراء كثيرة ، ومعانيهم متشعّبة جمّة ، لا يبلغها الإحصاء كان من الوجه أن نذكر ما هو أكثر استعمالا ، وأطول مدارسة له ، وهو المدح ، والهجاء ، والوصف ، والنسيب ، والمراثى ، والفخر ؛ وقد ذكرت قبل هذا المديح والهجاء وما ينبغى استعماله فيهما ؛ ثم ذكرت الآن الوصف والنسيب ، وتركت المراثى والفخر ؛ لأنهما داخلان فى المديح. وذلك أنّ الفخر هو مدحك نفسك بالطّهارة ، والعفاف ، والحلم ، والعلم ، والحسب ، وما يجرى مجرى ذلك. والمرثية مديح الميّت ، والفرق بينهما وبين المديح أن تقول : كان كذا وكذا ، وتقول فى المديح : هو كذا وأنت كذا. فينبغى أن تتوخّى فى المرثية ما تتوخّى فى المديح ، إلا أنك إذا أردت أن تذكر الميت بالجود والشجاعة تقول : مات الجود ، وهلكت الشّجاعة ؛ ولا تقول : كان فلانا جوادا وشجاعا ؛ فإنّ ذلك بارد غير مستحسن ، وما كان الميت يكدّه فى حياته فينبغى ألّا يذكر أنه يبكى عليه مثل
__________________
(١) العمدة : ٢ ـ ١١٥.
(٢) الرأدة : الناعمة.