قال : سمعت الأشهب بن جميل يقول : أنا أوّل من ألقى الهجاء بين جرير وابن لجأ ، أنشدت جريرا قوله (١) :
تصطكّ إلحيها على دلائها |
|
تلاطم الأزد على عطائها |
حتى بلغت إلى قوله :
تجرّ بالأهون من دعائها |
|
جزّ العجوز الثّنى من كسائها (٢) |
فقال جرير : ألا قال : «جرّ الفتاة طرفى ردائها» فرجعت إلى ابن لجأ فأخبرته. فقال : والله ما أردت إلا ضعفة العجوز ؛ ووقع بينهما الشرّ. وقول جرير : «جرّ العروس طرفى ردائها». أحسن وأظرف وأحلى من قول عمرو بن لجأ : «جرّ العجوز الثنى من كسائها». وليس فى اعتذار ابن لجأ بضعفة العجوز فائدة ؛ لأنّ الفتاة معها من الدلال ما يقوم فى الهوينا مقام ضعفة العجوز. وإنكار جرير قوله : «الثّنى من كسائها» نقد دقيق ، وإنما أنكره لأنّ فيه شعبة من التكلف. وقول جرير : «طرفى ردائها» أسلس وأسهل وأقلّ حروفا.
وقولك : رأيت الإيعاز بذلك أجود من قولك : رأيت أن أوعز بذلك ؛ كذا وجدت حذّاق الكتّاب يقولون. وعجبت من البحترى كيف قال (٣) :
لعمر الغوانى يوم صحراء أربد |
|
لقد هيّجت وجدا على ذى توجّد |
ولو قال : «على متوجد» لكان أسهل وأسلس وأحسن.
وفى غير هذه الرواية قال ، فقال ابن لجأ لجرير : فقد قلت أعجب من هذا ، وهو قولك (٤) :
وأوثق عند المردفات عشيّة |
|
لحاقا إذا ما جرّد السيف لامع |
والله لو لم يلحقن إلا عشيّا لما لحقن حتى نكحن وأحبلن.
__________________
(١) الموشح ١٢٨
(٢) فى الموشح : من خفائها. وقال : الخفاء : طرف اللسان.
(٣) ديوانه ١٩٦.
(٤) ديوانه : ٣٧٢ ، والموشح : ١٢٧.