فذكر إخطاء الموت إياه وتجاوزه إلى غيره ؛ فجاد المعنى وحسن المستمع. وقد أحسن القائل :
ولا تحسبنّ الحزن يبقى فإنه |
|
شهاب حريق واقد ثم خامد |
ستألف فقدان الّذى قد فقدته |
|
كإلفك وجدان الّذى أنت واجد |
فجعل ما يتطيّر منه من الفقدان لنفسه وما يستحبّ من الوجدان للممدوح ؛ وقد أساء أبو الوليد أرطاة بن شهبة ، حين أنشد عبد الملك :
رأيت الدهر يأكل كلّ حىّ |
|
كأكل الأرض ساقطة الحديد |
وما تبقى المنيّة حين تغدو |
|
على نفس ابن آدم من مزيد |
وأعلم أنها ستكرّ حتّى |
|
توفى نذرها بأبى الوليد |
وكان عبد الملك يكنّى أبا الوليد فتطيّر منه ، وما زال يرى كراهة شعره فى وجهه حتى مات.
وإذا دعت الضرورة إلى سوق خبر واقتصاص كلام ، فتحتاج إلى أن تتوخّى فيه الصدق ، وتتحرّى الحقّ ؛ فإن الكلام حينئذ يملكك ويحوجك إلى اتّباعه والانقياد له.
وينبغى أن تأخذ فى طريق تسهل عليك حكايته فيها ، وتركب قافية تطيعك فى استيفائك له ، كما فعل النابغة فى قوله (١) :
واحكم كحكم فتاة الحىّ إذ نظرت |
|
إلى حمام شراع وارد الثّمد (٢) |
يحفّه جانبا نيق (٣) وتتبعه |
|
مثل الزّجاجة لم تكحل من الرّمد |
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا |
|
إلى حمامتنا أو نصفه فقد |
__________________
(١) ديوانه : ٢٢.
(٢) فتاة الحى : زرقاء اليمامة. وشراع : مجتمعة. والثمد : هو الماء القليل.
(٣) النيق : أرفع موضع فى الجبل.