الباب الرّابع
فى البيان عن حسن النظم وجودة الرّصف والسّبك وخلاف ذلك
أجناس الكلام المنظوم ثلاثة : الرسائل ، والخطب ، والشّعر ، وجميعها تحتاج إلى حسن التأليف وجودة التركيب.
وحسن التأليف يزيد المعنى وضوحا وشرحا ، ومع سوء التأليف ورداءة الرّصف والتركيب شعبة من التّعمية ، فإذا كان المعنى سبيّا ، ووصف الكلام رديّا لم يوجد له قبول ، ولم تظهر عليه طلاوة. وإذا كان المعنى وسطا ، ورصف الكلام جيّدا كان أحسن موقعا ، وأطيب مستمعا ؛ فهو بمنزلة العقد إذا جعل كل خرزة منه إلى ما يليق بها كان رائعا فى المرأى وإن لم يكن مرتفعا جليلا ، وإن اختلّ نظمه فضمّت الحبّة منه إلى ما لا يليق بها اقتحمته العين وإن كان فائقا ثمينا.
وحسن الرّصف أن توضع الألفاظ فى مواضعها ، وتمكّن فى أماكنها ، ولا يستعمل فيها التقديم والتأخير ، والحذف والزيادة إلا حذفا لا يفسد الكلام ، ولا يعمّى المعنى ؛ وتضمّ كل لفظة منها إلى شكلها ، وتضاف إلى لفقها.
وسوء الرّصف تقديم ما ينبغى تأخيره منها ، وصرفها عن وجوهها ، وتغيير صيغتها ، ومخالفة الاستعمال فى نظمها.
وقال العتابى : الألفاظ أجساد ، والمعانى أرواح ؛ وإنما تراها بعيون القلوب ، فإذا قدّمت منها مؤخّرا ، أو أخّرت منها مقدّما أفسدت الصورة وغيّرت المعنى ؛ كما لو حوّل رأس إلى موضع يد ، أو يد إلى موضع رجل ، لتحوّلت الخلقة ، وتغيّرت الحلية.
(11 ـ الصناعتين)