ومثله قول أبى يوسف بعرفة وقد صلى خلف الرّشيد فلما سلّم فى الرّكعتين ـ قال : يأهل مكة ؛ أتمّوا صلاتكم فإنا قوم سفر (١). فقال بعض أهل مكة : من عندنا خرج العلم إليكم. فقال أبو يوسف : لو كنت فقيها لما تكلمت فى الصلاة.
وأخبرنا أبو أحمد عن أبيه عن عسل بن ذكوان ؛ قال : أقام شاعر بباب معن بن زائدة حولا لا يصل إليه ، فكتب إليه رقعة ودفعها إليه (٢) :
إذا كان الجواد له حجاب |
|
فما فضل الجواد على البخيل! |
فكتب معن فيها (٢) :
إذا كان الجواد قليل مال |
|
ولم يعذر تعلّل بالحجاب |
فانصرف الرجل يائسا ؛ ثم حمل إليه معن عشرة آلاف درهم.
ومن ذلك ما أخبرنا به أبو أحمد عن أبيه عن عسل بن ذكوان قال : بلغ على ابن الحسين رضى الله عنهما أن عروة بن الزبير وابن شهاب الزهرى يتناولان عليا ويعبثان به ؛ فأرسل إلى عروة ؛ فقال : أما أنت فقد كان ينبغى أن يكون فى نكوص أبيك يوم الجمل وفراره ما يحجزك عن ذكر أمير المؤمنين ، والله لئن كان علىّ على باطل لقد رجع أبوك عنه ، ولئن كان على حقّ لقد فرّ أبوك منه.
وأرسل إلى ابن شهاب ، فقال : وأما أنت يا بن شهاب فما أراك تدعنى حتى أعرفك موضع كير (٣) أبيك.
ومن وضوح الدلالة وقرع الحجة قول الله سبحانه : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ. قالَ : مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ : يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)
__________________
(١) مسافرون.
(٢) العقد : ١ ـ ٨٦.
(٣) الكير ، بالكسر : زق ينفخ فيه الحداد. وأما المبنى من طين فهو كور.