ومثله :
رأت أمّنا كيصا يلفّف وطبه |
|
إلى الأنس البادين فهو مزمّل (١) |
فقالت فلان قد أغاث عياله (٢) |
|
وأودى عيال آخرون فهزّلوا |
ألم يك ولدان أعانوا ومجلس |
|
قريب فيجرى إذ يكفّ ويجمل (٣) |
الكيص : الذى ينزل وحده. والوطب : وعاء اللبن. والأنس البادون : أهله لأنه يرده إليهم ، فمنهم من يتذمم فيسقى لبنه ومنهم من يرده كيصا مثل فعل الذى ينزل وحده. مزمل : مبرد (٤).
فهذه الأبيات سمجة الرّصف ؛ لأنّ الفصيح إذا أراد أن يعبّر عن هذه المعانى ، ولم يسامح نفسه عبّر عنها بخلاف ذلك.
وكان القوم لا ينتقد عليهم ، فكانوا يسامحون أنفسهم فى الإساءة.
فأما مثال الحسن الرّصف من الرسائل فكما كتب بعضهم : ولو لا أنّ أجود الكلام ما يدلّ قليله على كثيره ، وتغنى جملته عن تفصيله ، لوسّعت نطاق القول فيما أنطوى عليه من خلوص المودّة ، وصفاء المحبة ؛ فجال مجال الطّرف فى ميدانه ، وتصرّف تصرّف الرّوض فى افتنانه ؛ لكن البلاغة بالإيجاز أبلغ من البيان بالإطناب.
ومن تمام حسن الرصف أن يخرج الكلام مخرجا يكون له فيه طلاوة وماء ، وربما كان الكلام مستقيم الألفاظ ، صحيح المعانى ؛ ولا يكون له رونق ولا رواء ؛ ولذلك قال الأصمعى لشعر لبيد : كأنه طيلسان طبرانى ، أى هو محكم الأصل ولا رونق له.
__________________
(١) رواية اللسان فى مادة كيص :
رأت رجلا كيصا يلفف وطبه |
|
فيأتى به البادين وهو مزمل |
وقال فى اللسان بعد أن فسر الكيص بالرجل الأشر وذكر البيت : يحتمل أن تكون ألف كيصا للإلحاق ، ويحتمل أن تكون التى هى عوض من التنوين فى النصب.
(٢) فى الجمهرة : قد أعاش عياله.
(٣) فى الجمهرة : فنخزى إذا كنا نحل ونحمل.
(٤) المزمل : المغطى. وزمل الشىء : أخفاه.