فهذه دلالة واضحة على أن الله تعالى قادر على إعادة الخلق ، مستغنية بنفسها عن الزيادة فيها ؛ لأن الإعادة ليست بأصعب فى العقول من الابتداء. ثم قال تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) ؛ فزادها شرحا وقوة ، لأنّ من يخرج النار من أجزاء الماء ، وهما ضدان ، ليس بمنكر عليه أن يعيد ما أفناه. ثم قال تعالى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ). فقوّاها أيضا ، وزاد فى شرحها ، وبلغ بها غاية الإيضاح والتوكيد ؛ لأنّ إعادة الخلق ليست بأصعب فى العقول من خلق السموات والأرض ابتداء.
وحضر أبو الهذيل جنازة فلما دفن الميت قال رجل : يا أبا الهذيل ؛ الإيمان برجوع هذا صعب. فقال أبو الهذيل : يعيده الذى أنشأه أول مرة ، إنه على رجعه لقادر.
وأما انتهاز الفرصة فمثاله أيضا قول أبى يوسف مع أكثر ما جرى فى هذا الفصل. ومنه ما أخبرنى به أبو أحمد قال أخبرنى الحلوانى (١) ، قال حدثنى محمد بن زكريا ، قال حدثنا محمد بن عبد الله الجشمى ، عن المدائنى ، قال : دخل عمرو ابن العاص على معاوية وهو يتغدّى فقال له : هلم يا عمرو. فقال : هنيئا يا أمير المؤمنين ، أكلت آنفا. فقال : أما علمت يا عمرو أنّ من شراهة المرء ألّا يدع فى بطنه مستزادا لمستزيد! فقال : قد فعلت يا أمير المؤمنين. فقال : ويحك لمن بقّيته؟ ألمن هو أوجب حقّا من أمير المؤمنين؟ قال : لا ، ولكن لمن لا يعذر عذر أمير المؤمنين. قال : فلا أراك إلّا ضيعت حقا لحقّ لعلك لا تدركه. فقال عمرو : ما لقيت منك يا معاوية! ثم دنا فأكل.
وقال أبو العيناء لابن ثوابة : بلغنى ما خاطبت به أبا الصقر ، وما منعه من استقصاء الجواب إلّا أنه لم ير عرضا فيمضغه ، ولا مجدا فيهدمه. وبعد فإنه عاف لحمك أن
__________________
(١) فى ط «أخبرنى الجلودى الحوانى».