ومن الحذف الردىء قول الحارث بن حلزة (١) :
والعيش خير فى ظلا |
|
ل النوك ممّن عاش كدّا (٢) |
وإنما أراد : والعيش الناعم خير فى ظلال النوك من العيش الشاقّ فى ظلال العقل ، وليس يدلّ لحن كلامه على هذا ، فهو من الإيجاز المقصر.
ومن الحذف الردىء أيضا قول الآخر (٣) :
أعاذل عاجل ما أشتهى |
|
أحبّ من الأكثر الرائث (٤) |
يعنى عاجل ما أشتهى مع القلّة أحبّ إلىّ من رائثه مع الكثرة.
ومثله قول عروة بن الورد (٥) :
عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم |
|
ومقتلهم عند الوغى كان أعذرا |
يعنى إذ يقتلون نفوسهم فى السلم.
ومثله من نثر الكتّاب ما كتب بعضهم : فإنّ المعروف إذا زجا (٦) كان أفضل منه إذا توافر وأبطأ. وتمام المعنى أن يقول : «إذا قل وزجا». فترك ما به يتمّ المعنى ؛ وهو ذكر القلّة.
وكتب بعضهم : فما زال حتى أتلف ماله ، وأهلك رجاله ؛ وقد كان ذلك فى الجهاد والإبلاء أحقّ بأهل الحزم وأولى. والوجه أن يقول : فإن إهلاك المال والرجال فى الجهاد والإبلاء أفضل من فعل ذلك فى الموادعة.
ومثل هذا مقصّر غير بالغ مبلغ ما تقدم فى هذا الباب من الحذف الجيّد.
__________________
(١) نقد الشعر : ١٢٧.
(٢) النوك ، بالضم : الحمق ويفتح أيضا.
(٣) نقد الشعر : ١٢٧.
(٤) الرث : الإبطاء ، والرائث : المبطئ.
(٥) نقد الشعر : ١٢٧ ، ديوانه : ١٨.
(٦) زجا الأمر : تيسر.