يأكله ، وسهك (١) دمك أن يسفكه ، فقال : ما أنت والكلام يا مكدى (٢)؟ فقال : لا ينكر على ابن ثمانين سنة ، قد ذهب بصره ، وجفاه سلطانه ، أن يعوّل على إخوانه ؛ فيأخذ من أموالهم ، ولكن أشد من هذا أن تتنزل ماء أصلاب الرجال فتستفرغه فى حقيبتك. فقال ابن ثوابة : الساعة آمر أحد غلمانى بك. فقال : أيهما؟ الذى إذا خلوت ركب ، أم الذى إذا ركبت خلا؟ فقال ابن ثوابة : ما تسابّ اثنان إلّا غلب ألأمهما. قال أبو العيناء : بها غلبت أبا الصقر.
فانظر إلى انتهاز الفرصة فى قوله : بها غلبت أبا الصقر.
ومنه أن بعض الكتاب لقى أبا العيناء فى السّحر ، فجعل يتعجّب من بكوره ؛ فقال : أتشاركنى فى الفعل وتنفرد بالتعجّب.
وقالت له قينة : هب لى خاتمك أذكرك به. قال : اذكرينى بالمنع.
وقيل له : لا تعجل فإنّ العجل (٣) من عمل الشيطان. فقال : لو كانت من عمل الشيطان لما قال موسى عليهالسلام : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى).
وقال عبيد الله بن سليمان : إنّ الأخبار المذكورة فى السخاء وكثرة العطاء من تصنيف الورّاقين وأكاذيبهم. فقال أبو العيناء : ولم لا يكذبون على الوزير أيّده الله! وأما الإشارة فسنذكرها فى موضعها إن شاء الله.
وقال حكيم الهند : أول البلاغة اجتماع آلة البلاغة ، وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش ، ساكن الجوارح ، متخيّر اللفظ ، لا يكلّم سيد الأمّة بكلام الأمة ، ولا الملوك بكلام السّوقة. ويكون فى قواه التصرف فى كل طبقة ، ولا يدقّق المعانى كلّ التدقيق ، ولا ينقّح الألفاظ كلّ التنقيح ، ويصفّيها كلّ التصفية ، ويهذّبها
__________________
(١) سهك : كره سفك دمه ، استعارة من السهك ، وهى ريح كريهة تجدها من الإنسان إذا عرق.
(٢) المكدى هنا : الذى لا يقدر على الإبانة ، وأصله فى الجدب.
(٣) العجل والعجلة : السرعة.