وقال الخليل : يختصر الكتاب ليحفظ ، ويبسط ليفهم. وقيل لأبى عمرو ابن العلاء : هل كانت العرب تطيل؟ قال : نعم ؛ كانت تطيل ليسمع منها ، وتوجز ليحفظ عنها.
والإطناب إذا لم يكن منه بدّ إيجاز ؛ وهو فى المواعظ ـ خاصّة ـ محمود ؛ كما انّ الإيجاز فى الإفهام محمود ممدوح.
والموعظة كقول الله تعالى : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ. أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ. أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ). فتكرير ما كرّر من الألفاظ هاهنا فى غاية حسن الموقع.
وقيل لبعضهم : متى يحتاج إلى الإكثار؟ قال : إذا عظم الخطب. وأنشد :
صموت إذا ما الصّمت زيّن أهله |
|
وفتّاق أبكار الكلام المحبّر |
وقال آخر :
يرمون بالخطب الطّوال وتارة |
|
وحى الملاحظ خشية الرّقباء |
وقال بعضهم :
إذا ما ابتدى خاطبا لم يقل |
|
له أطل القول أو قصّر |
طبيب بداء فنون الكلى |
|
م لم يعى يوما ولم يهذر |
فإن هو أطنب فى خطبة |
|
قضى للمطيل على المقصر |
وإن هو أوجز فى خطبة |
|
قضى للمقلّ على المكثر |
ووجدنا الناس إذا خطبوا فى الصّلح بين العشائر أطالوا ؛ وإذا أنشدوا الشّعر بين السّماطين (١) فى مديح الملوك أطنبوا ؛ والإطالة والإطناب فى هذه المواضع إيجاز.
وقيل لقيس بن خارجة : ما عندك فى حمالات (٢) داحس؟ قال : عندى قرا
__________________
(١) سماط القوم : صفهم.
(٢) الحمالة : الدية يحملها قوم عن قوم.