ولما أحيط بمروان قال خادمه باسل : من أغفل القليل حتى يكثر ، والصغير حتى يكبر ، والخفىّ حتى يظهر أصابه مثل هذا.
وهذا كلام فى غاية الحسن ، وإن كان معنى الفصلين الأخيرين داخلا فى الفصل الأول.
وهكذا قول الشاعر (١) :
إنّ شرخ الشّباب والشعر الأس |
|
ود ما لم يعاص كان جنونا |
فالشعر الأسود داخل فى شرخ الشباب.
وكذلك قول أبى تمام (٢) :
رب خفض (٣) تحت السرى وغناء |
|
من عناء ونضرة من شحوب |
الغناء داخل فى الخفض ، والعناء داخل فى السّرى فاعلم.
وممّا هو أجلّ من هذا كلّه قول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) ؛ فالإحسان داخل فى العدل ، وإيتاء ذى القربى داخل فى الإحسان ؛ والفحشاء داخل فى المنكر ، والبغى داخل فى الفحش.
وهذا يدلّ على أنّ أعظم مدار البلاغة على تحسين اللّفظ ؛ لأنّ المعانى إذا دخل بعضها فى بعض هذا الدخول ، وكانت الألفاظ مختارة حسن الكلام ؛ وإذا كانت مرتّبة حسنة والمعارض سيئة كان الكلام مردودا. فاعتمد على ما مثّلته لك ، وقس عليه إن شاء الله.
__________________
(١) حسان بن ثابت ، ديوانه : ٤١٣.
(٢) ديوانه : ٣٦.
(٣) خفض : سعة وراحة.