الباب السادس
فى حسن الأخذ وحل المنظوم (فصلان)
الفصل الأول من الباب السادس
فى حسن الأخذ
تداول المعانى |
ليس لأحد من أصناف القائلين غنى عن تناول المعانى ممّن تقدّمهم والصبّ على قوالب من سبقهم ؛ ولكن عليهم ـ إذا أخذوها ـ أن يكسوها ألفاظا من عندهم ، ويبرزوها فى معارض من تأليفهم ، ويوردوها فى غير حليتها الأولى ، ويزيدوها فى حسن تأليفها وجودة تركيبها وكمال حليتها ومعرضها ؛ فإذا فعلوا ذلك فهم أحقّ بها ممّن سبق إليها ؛ ولو لا أنّ القائل يؤدّى ما سمع لما كان فى طاقته أن يقول ؛ وإنما ينطق الطّفل بعد استماعه من البالغين.
وقال أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه : لو لا أنّ الكلام يعاد لنفد. وقال بعضهم : كلّ شيء ثنيته قصر إلّا الكلام فإنّك إذا ثنيته طال. على أنّ المعانى مشتركة بين العقلاء ، فربما وقع المعنى الجيّد للسوقىّ والنبطى والزّنجى ، وإنما تتفاضل الناس فى الألفاظ ورصفها وتأليفها ونظمها. وقد يقع للمتأخر معنى سبقه إليه المتقدّم من غير أن يلمّ به ، ولكن كما وقع للأوّل وقع للآخر. وهذا أمر عرفته من نفسى ، فلست أمترى (١) فيه ، وذلك أنّى عملت شيئا فى صفة النساء :
سفرن بدورا وانتقبن أهلّة
وظننت أنى سبقت إلى جمع هذين التشبيهين فى نصف بيت ، إلى أن وجدته
__________________
(١) أشك.