بعينه لبعض البغداديين ؛ فكثر تعجّبى ، وعزمت على ألّا أحكم على المتأخّر بالسّرق (١) من المتقدّم حكما حتما.
وسمعت ما قيل : إنّ من أخذ معنى بلفظه كان له سارقا ، ومن أخذ ببعض لفظه كان له سالخا ، ومن أخذه فكساه لفظا من عنده أجود من لفظه كان هو أولى به ممن تقدّمه.
وقالوا : إن أبا عذرة الكلام (٢) من سبك لفظه على معناه ؛ ومن أخذ معنى بلفظه فليس له فيه نصيب.
على أنّ ابتكار المعنى والسّبق إليه ليس هو فضيلة يرجع إلى المعنى ؛ وإنما هو فضيلة ترجع إلى الذى ابتكره وسبق إليه ؛ فالمعنى الجيّد جيّد وإن كان مسبوقا إليه ؛ والوسط وسط ، والردىء رديء ، وإن لم يكونا مسبوقا إليهما.
وقد أطبق المتقدمون والمتأخرون على تداول المعانى بينهم ؛ فليس على أحد فيه عيب إلّا إذا أخذه بلفظه كلّه ، أو أخذه فأفسده ، وقصّر فيه عمّن تقدمه ، وربما أخذ الشاعر القول المشهور ولم يبال ؛ كما فعل النابغة فإنه أخذ قول وهب بن الحارث ابن زهرة :
تبدو كواكبه والشمس طالعة |
|
تجرى على الكاس منه الصّاب والمقر (٣) |
وقال النابغة (٤) :
تبدو كواكبه والشمس طالعة |
|
لا النّور نور ولا الإظلام إظلام |
وأخذ قول رجل من كندة فى عمرو بن هند :
هو الشمس وافت يوم دجن فأفضلت |
|
على كلّ ضوء والملوك كواكب |
__________________
(١) السرقة.
(٢) يريد منشئه ومبتدعه.
(٣) الصاب : شبيه بالصبر.
(٤) ديوانه : ٧٠