قصّر. ومنهم من إذا كتب أحسن ، وإذا حاور وأملى أساء. ومنهم من يحسن فى جميع هذه الحالات. ومنهم من يسيء فيها كلّها.
فأحسن حالات المسيء الإمساك ، وأحسن حالات المحسن التوسّط ؛ فإنّ الإكثار يورث الإملال ، وقلّما ينجو صاحبه من الزّلل والعيب والخطل (١).
وليس ينبغى للمحسن فى أحد هذه الفنون المسيء فى غيرها أن يتجاوز ما هو محسن فيه إلى ما هو مسىء فيه ؛ فإن اضطر فى بعض الأحوال إلى تجاوزه فخير سبله فيه قصد الاختصار ، وتجنّب الإكثار والإهذار ؛ ليقلّ السقط فى كلامه ، ولا يكثر العيب فى منطقه.
وقيل لابن المقفّع : لم لا تطيل القصائد؟ قال : لو أطلنها عرف صاحبها. يريد أن المحدث يتشبّه بالقديم فى القليل من الكلام ، فإذا أطال اختلّ ، فعرف أنه كلام مولّد. على أن السابق فى ميادين البلاغة إذا أكثر سقط ، فكيف المقصّر عن غايتها ، والمتخلّف عن أمدها؟
ومن تمام آلات البلاغة التوسّع فى معرفة العربية ، ووجوه الاستعمال لها ؛ والعلم بفاخر الألفاظ وساقطها ، ومتخيّرها ، ورديئها ؛ ومعرفة المقامات ، وما يصلح فى كل واحد منها من الكلام ، إلى غير ذلك مما سنذكره فى الباب الثانى عند ذكر صنعة الكلام إن شاء الله.
وقوله (٢) : وهو «أن يكون الخطيب رابط الجأش» ساكن النفس جدا ؛ لأنّ الحيرة والدّهش (٣) يورثان الحبسة والحصر (٤) ؛ وهما سبب الإرتاج والإجبال (٥).
__________________
(١) الخطل : الخطأ.
(٢) أى حكيم الهند ص ١٩ ، وعبارته هناك : «وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش».
(٣) الدهش : التحير.
(٤) الحبسة : تعذر الكلام عند إرادته.
والحصر : العى فى المنطق.
(٥) أرتج عليه : استغلق عليه الكلام. وأجبل الشاعر : صعب عليه القول.