منه والزيادة فيه ، كقول البحترى (١) :
يسرّ بعمران الدّيار مضلّل |
|
وعمرانها مستأنف من خرابها |
ولم أرتض الدّنيا أوان مجيئها |
|
فكيف ارتضائيها أوان ذهابها |
فإذا نثر على الوجه قيل : يسر مضلّل بعمران الدنيا ، ومن خرابها عمرانها مستأنف ، ولم أرتض أوان مجيئها الدنيا ؛ فكيف أوان ذهابها ارتضائيها.
فهذا نثر فاسد ؛ فإذا غيّرت بعض ألفاظه حسن وهو أن تقول : يسرّ المضلّل بعمران الديار ، وإنما تستأنف عمرانها من خرابها ، وما ارتضيت الدنيا أوان مجيئها ؛ فكيف أرتضيها أوان ذهابها؟
ونحن نقول : إنّ من النظم ما لا يمكن حلّه أصلا بتأخير لفظة وتقديم أخرى منه حتى يلحق به التغيير والزيادة والنقصان مثل قول الشاعر :
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده |
|
فلم يبق إلّا صورة اللّحم والدّم |
فالمصراع الأول يمكن أن تؤخّر ألفاظه (٢) وتقدّم ؛ فيصير نثرا مستقيما ؛ وهو أن تقول : فؤاد الفتى نصف ولسانه نصف. ولا يمكن فى المصراع الثانى ذلك حتى تزيد فيه أو تنقص منه ؛ فتقول : لسان الفتى نصف وفؤاده نصف ، وصورته من اللحم والدم فضل لا غناء بها دونهما ولا معوّل عليها إلا معهما.
وزيادة الألفاظ التى تحصل فيه ليست بضائرة ؛ لأنّ بسط الألفاظ فى أنواع المنثور سائغ ؛ ألا ترى أنها (٣) تحتاج إلى الازدواج ، ومن الازدواج ما يكون بتكرير كلمتين لهما معنى واحد ، وليس ذلك بقبيح إلّا إذا اتّفق لفظاهما.
ويسوغ هذا فى الشعر أيضا كقول البحترى (٤) :
بودّى لو يهوى العذول ويعشق |
|
فيعلم أسباب الهوى كيف تعلق |
__________________
(١) ديوانه : ١ ـ ٤٧.
(٢) فى ط : لفظه.
(٣) أى أنواع المنثور.
(٤) ديوانه : ٢ ـ ١٢٤.