جميع أنواعه ، وبهذا فضّلوا جريرا على الفرزدق. وقالوا : كان له فى الشعر ضروب لا يعرفها الفرزدق. وماتت امرأته النّوار فناح عليها بشعر جرير (١) :
لو لا الحياء لها جنى استعبار |
|
ولزرت قبرك والحبيب يزار |
وكان البحترى يفضّل الفرزدق على جرير ، ويزعم أنه يتصرّف من المعانى فيما لا يتصرّف فيه جرير ، ويورد منه فى شعره فى كلّ قصيدة خلاف ما يورده فى الأخرى. قال : وجرير يكرّر فى هجاء الفرزدق ذكر الزبير ، وجعثن ، والنوار (٢) ، وأنه قين مجاشع. لا يذكر شيئا غير هذا.
وسئل بعضهم عن أبى نواس ومسلم ؛ فذكر أن أبا نواس أشعر ؛ لتصرّفه فى أشياء من وجوه الشعر وكثرة مذاهبه فيه ، قال : ومسلم جار على ووتيرة واحدة لا يتغيّر عنها.
وأبلغ من هذه المنزلة أن يكون فى قوة صائغ الكلام أن يأتى مرّة بالجزل ، وأخرى بالسهل ؛ فيلين إذا شاء ، ويشتدّ إذا أراد. ومن هذا الوجه فضّلوا جريرا على الفرزدق ، وأبا نواس على مسلم. قال جرير (٣) :
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا |
|
وقت الزيارة فارجعى بسلام |
تجرى السّواك على أغرّ كأنه |
|
برد تحدّر من متون غمام |
فانظر إلى رقّة هذا الكلام. وقال أيضا (٤) :
وابن اللّبون إذا ما لزّ فى قرن |
|
لم يستطع صولة البزل القناعيس (٥) |
فانظر إلى صلابة هذا الكلام.
__________________
(١) ديوانه ١٩٩.
(٢) الزبير وجعثن والنور أسماء كان جرير يعير بها الفرزدق فى شعره. وانظر الموشح ص ١٢٢.
(٣) ديوانه : ٥٥١
(٤) ديوانه : ٣٢٣.
(٥) ابن اللبون : ولد الناقة إذا طعن فى الثالثة. ولز : شد.
والقرن : الحبل. والبزل : واحده بازل : البعير الذى دخل فى السنة التاسعة. والقناعيس : جمع قنعاس : العظيم من الإبل.