والوجه الآخر إخراج ما لم تجر به العادة إلى ما جرت به العادة ؛ كقوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) ؛ والمعنى الجامع بين المشبّه والمشبّه به الانتفاع بالصورة.
ومن هذا قوله تعالى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) ... إلى قوله : (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) ؛ هو بيان ما جرت به العادة إلى ما لم تجربه. والمعنى الذى يجمع الأمرين الزينة والبهجة ، ثم الهلاك ، وفيه العبرة لمن اعتبر ، والموعظة لمن تذكّر.
ومنه قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ، تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) ، فاجتمع الأمران فى قلع الريح لهما وإهلاكهما والتخوّف من تعجيل العقوبة.
ومن هذا قوله تعالى : (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ). والجامع للمعنيين الحمرة ولين الجوهر ، وفيه الدّلالة على عظم الشّأن ؛ ونفوذ السلطان.
ومنه قوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ... إلى قوله عزوجل : (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) ؛ والجامع بين الأمرين الإعجاب ، ثم سرعة الانقلاب ؛ وفيه الاحتقار للدّنيا والتّحذير من الاغترار بها.
والوجه الثالث : إخراج ما لا يعرف بالبديهة إلى ما يعرف بها ؛ فمن هذا قوله عزوجل : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ، قد أخرج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بها ؛ والجامع بين الأمرين العظم ؛ والفائدة فيه التشويق إلى الجنة بحسن الصّفة.
ومثله قوله سبحانه : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) ، والجامع بين الأمرين الجهل بالمحمول ؛ والفائدة فيه الترغيب فى تحفّظ العلوم ، وترك الاتكال على الرّواية دون الدّراية.
(١٦ ـ الصناعتين)