الفصل الثّانى
فى البيان عن قبح التشبيه وعيوبه
والتشبيه يقبح إذا كان على خلاف ما وصفناه فى أول الباب ، من إخراج الظاهر فيه إلى الخافى ، والمكشوف إلى المستور ، والكبير إلى الصغير ، كما قال النابغة (١) :
تخدى بهم أدم كأنّ رحالها |
|
علق أريق على متون صوار (٢) |
وقال لبيد (٣) :
فخمة ذفراء ترتى بالعرى |
|
قردمانيّا وتركا كالبصل (٤) |
وقال خفاف بن ندبة :
أبقى لها التعداء من عتداتها |
|
ومتونها كخيوطة الكتان |
العتدات : القوائم ، والمتون : الظهور ؛ يقول : دقت حتى صارت متونها وقوائمها كالخيوط ، وهذا بعيد جدا. ومثل هذا محمود غير معيب عند أصحاب الغلو ومن يقول بفضله.
وإذا شبه أيضا صغيرا بكبير وليس بينهما مقاربة فهو معيب أيضا ، كقول ساعدة ابن جؤية :
كساها رطيب الريش فاعتدلت لها |
|
قداح كأعناق الظباء الفوارق |
شبه السهام بأعناق الظباء وليس بينهما شبه. ولو وصفها بالدقة لكان أولى.
__________________
(١) ديوانه : ٤٤.
(٢) تخدى : من الخدى ، وذلك سرعة السير من البعير وغيره مع زج قوائمه. والأدم : الإبل التى فى لونها أدمة. والعلق : الدلو. والمتن : الظهر ، والصوار : بالكسر والضم : القطيع من البقر.
(٣) اللسان (قردم ، رتى ، ترك).
(٤) الرتو : الشد ، والقردمانية : الدروع الغليظة ، والترك : جمع تريكة ، وهى بيضة الحديد للرأس.