الكاهن : والسماء والأرض ، والقرض والفرض ، والغمر والبرض (١). ومثل هذا من السجع مذموم لما فيه من التكلف والتعسف. ولهذا ما قال النبى صلىاللهعليهوسلم لرجل ، قال له : أندى (٢) من لا شرب ولا أكل ، ولا صاح ، فاستهلّ ، فمثل ذلك يطل (٣) : أسجعا كسجع الكهان! لأن التكلف فى سجعهم فاش ، ولو كرهه عليه الصلاة والسلام لكونه سجعا لقال : أسجعا ؛ ثم سكت ، وكيف يذمه ويكرهه ، وإذا سلم من التكلّف ، وبرئ من التعسّف لم يكن فى جميع صنوف الكلام أحسن منه.
وقد جرى عليه كثير من كلامه عليهالسلام ؛ فمن ذلك ما حدثنا به يوسف الإمام بواسط ، قال حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله أبو شهاب عن عوف عن زرارة ابن أوفى عن عبد الله بن سلام ، قال : لما قدم النبى صلىاللهعليهوسلم المدينة انجفل الناس قبله ؛ فقيل : قدم رسول الله ، فجئت فى الناس لأنظر إليه. فلما تبينت وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب ، فكان أول شيء تكلم به أن قال : «أيّها الناس ؛ أفشوا السّلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلّوا بالليل ، والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام».
وكان صلىاللهعليهوسلم ربما غيّر الكلمة عن وجهها للموازنة بين الألفاظ وإتباع الكلمة أخواتها ؛ كقوله صلىاللهعليهوسلم : «أعيذه من الهامّة ، والسّامّة ، وكل عين لامّة». وإنما أراد «ملمّة». وقوله عليهالسلام : «ارجعن مأزورات ، غير مأجورات». وإنما أراد «موزورات» ، من الوزر. فقال : مأزورات ، لمكان مأجورات ، قصدا للتوازن وصحة التسجيع.
فكل هذا يؤذن بفضيلة التسجيع على شرط البراءة من التكلّف والخلو من التعسف.
__________________
(١) البرض : القليل وماء برض قليل وهو خلاف الغمر.
(٢) أندى ، من الدية وذلك حق القتيل.
(٣) يطل ؛ من طل دمه ؛ إذا أهدره. (والعبارة فى نقد النثر ١٠٧)