وقد اعتمد فى موضع تجنب السجع وهو معرّض له ، وكلامه كان يطالبه. فقال : «وما يدريك أنه شهيد ، لعله كان يتكلم بما لا يعنيه ، ويبخل بما لا ينفعه». ولو قال : بما لا يغنيه ، لكان سجعا. والحكيم العليم بالكلام يتكلم على قدر المقامات ، ولعل قوله : «ينفعه» كان أليق بالمقام فعدل إليه.
وجوه السجع |
والسجع على وجوه : فمنها أن يكون الجزءان متوازنين متعادلين ، لا يزيد أحدهما على الآخر ، مع اتفاق الفواصل على حرف بعينه. وهو كقول الأعرابى : سنة جردت ، وحال جهدت ، وأيد جمدت ، فرحم الله من رحم ، فأقرض من لا يظلم. فهذه الأجزاء متساوية لا زيادة فيها ولا نقصان ، والفواصل على حرف واحد. ومثله قول آخر من الأعراب ، وقد قيل له : من بقى من إخوانك؟ فقال : كلب نابح ، وحمار رامح ، وأخ فاضح. وقال أعرابى لرجل سأل لئيما : نزلت بواد غير ممطور ، وفناء غير معمور ، ورجل غير مسرور ؛ فأقم بندم ، أو ارتحل بعدم. ودعا أعرابى ، فقال : اللهم هب لى حقّك ، وأرض عنى خلقك. وقال آخر : شهادات الأحوال ، أعدل من شهادات الرجال. ودعا أعرابى ، فقال : أعوذ بك من الفقر إلّا إليك ، ومن الذّلّ إلا لك. وقال أعرابى ذهب بابنه السيل : اللهم إن كنت قد أبليت ، فإنك طالما عافيت. وقيل لأعرابى : ما خير العنب؟ قال : ما اخضرّ عوده ، وطال عموده ، وعظم عنقوده. وقال أعرابى : باكرنا وسمى ، ثم خلفه ولىّ (١). فالأرض كأنها وشى منشور ، عليه لؤلؤ منثور ، ثم أتتنا غيوم جراد ، بمناجل حصاد ، فاحترثت البلاد ، وأهلكت العباد ، فسبحان من يهلك القوىّ الأكول ، بالضعيف المأكول.
فهذه الفصول متوازية لا زيادة فى بعض أجزائها على بعض ، بل فى القليل منها ،
__________________
(١) الوسمى : مطر الربيع الأول ، والولىّ : المطر بعد المطر.