الفصل الأوّل
فى الاستعارة والمجاز
الاستعارة والغرض منها |
الاستعارة : نقل العبارة عن موضع استعمالها فى أصل اللغة إلى غيره لغرض ، وذلك الغرض إما أن يكون شرح المعنى وفضل الإبانة عنه ، أو تأكيده والمبالغة فيه ، أو الإشارة إليه بالقليل من اللفظ ، أو تحسين المعرض الذى يبرز فيه ؛ وهذه الأوصاف موجودة فى الاستعارة المصيبة ؛ ولو لا أن الاستعارة المصيبة تتضمّن ما لا تتضمنه الحقيقة ؛ من زيادة فائدة لكانت الحقيقة أولى منها استعمالا.
والشاهد على أن للاستعارة المصيبة من الموقع ما ليس للحقيقة أن قول الله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) أبلغ وأحسن وأدخل مما قصد له من قوله لو قال : يوم يكشف عن شدة الأمر ، وإن كان المعنيان واحدا ؛ ألا ترى أنك تقول لمن تحتاج إلى الجد فى أمره : شمّر عن ساقك فيه ، واشدد حيازيمك له ؛ فيكون هذا القول منك أوكد فى نفسه من قولك : جدّ فى أمرك ، وقول دريد بن الصمة (١) :
كميش الإزار خارج نصف ساقه |
|
صبور على العزّاء طلّاع أنجد (٢) |
وقال الهذلىّ (٣) :
وكنت إذا جارى دعا لمضوفة |
|
أشمّر حتى ينصف الساق مئزرى |
ومن ذلك قوله تعالى : (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) ، (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) ؛ وهذا أبلغ من قوله سبحانه : (وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) ؛ وإن كان فى قوله : ولا يظلمون شيئا أنفى لقليل الظلم وكثيره فى الظاهر. وكذا قوله تعالى : (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)
__________________
(١) ديوان الحماسة : ٢ ـ ٣٠٨ (شرح التبريزى).
(٢) كميش الإزار : قصيره. وطلاع أنجد : ضابط للأمور غالب لها.
(٣) ديوان الهذليين : ٣ ـ ٩٢. لمضوفة ، أى أمر ضافه ، أى نزل به وشق عليه.