فإنه سمين المال ، مهزول المعروف ، قصير عمر المنى ، طويل حيات الفقر. وسأل أعرابى فقيل له : عليك بالصيارف ، فقال : هناك قرارة اللؤم. وذكر أعرابى قوما فقال : أولئك قوم قد سلخت أقفاؤهم بالهجاء ، ودبغت جلودهم باللؤم ؛ فلباسهم فى الدنيا الملامة ، وزادهم فى الآخرة الندامة. وذمّ أعرابى قوما فقال : هم أقل دنوا إلى أعدائهم ، وأكثر تجرّما على أصدقائهم ، يصومون عن المعروف ويفطرون على الفحشاء. وذمّ أعرابى رجلا فقال : ذاك رجل تعدو إليه مواكب الضلالة ، ويرجع من عنده ببدر الآثام ، معدم مما يحب ، مثر مما يكره.
وقال أعرابى : ما أشدّ جولة الهوى! وفطام النفس عن الصّبا ، ولقد تصدعت نفسى للعاشقين ؛ لوم العاذلين قرطة فى آذانهم ، ولوعات الحب نيران فى أبدانهم. وقال أعرابى : ما رأيت دمعة ترقرق فى عين ، وتجرى على خد ، أحسن من عبرة أمطرتها عينها ، فأعشب لها قلبى. وقال أعرابى ـ وذكر قوما زهّادا ـ فاز قوم أدّبتهم الحكمة ، وأحكمتهم التجارب ، ولم تغررهم السّلامة المنطوية على الهلكة ، ورحل عنهم التسويف الذى قطع به الناس مسافة آجالهم ، فأحسنوا المقال ، وشفعوه بالفعال ، تركوا النعيم ليتنعموا ؛ لهم عبرات متدافعة ؛ لا تراهم إلا فى وجه عند الله وجيها. ووصف أعرابى واليا فقال : كان إذا ولّى طابق من جفونه ، وأرسل العيون على عيونه ، فهو شاهد معهم ، غائب عنهم ، فالمحسن آمن ، والمسيء خالف. ووصف أعرابى دارا فقال : هى والله معتصرة الدموع ، جرّت بها الرياح أذيالها ، وحلّت بها السحاب أثقالها. وذكر أعرابى رجلا فقال : كان الفهم منه ذا أذنين ، والجواب منه ذا لسانين ؛ لم أر أحدا كان أرتق لخلل الرأى منه ، كان والله بعيد مسافة الرأى ، يرمى بطرفه حيث أشار الكرم ، يتحسّى مرارة الإخوان ، ويسيغهم العذب. ووصف أعرابى قومه فقال : كانوا والله إذا اصطفوا تحت القتام سفرت بينهم السهام ، بوقوف الحمام ، وإذا تصافحوا بالسيوف فغرت المنايا أفواهها ، فكم من يوم عارم قد أحسنوا أدبه ،