وحرب عبوس قد ضاحكتها أسنتهم ، وخطب شين (١) ، قد ذللوا مناكبه ؛ إنما كانوا كالبحر الذى لا ينكش (٢) غماره ؛ ولا ينهنه تيّاره. وقيل لأعرابى : يزعم فلان أنه كساك ثوبا ، فقال : إن المعروف إذ أمرّ كدّر ، وإذا محض أمرّ ؛ ومن ضاق قلبه اتسع لسانه.
وذكر أعرابى رجلا فقال : كلامه منقوض آثار القطا ؛ وهو مع ذا رثّ عقال المودة ، مسودّ وجه الصداقة ؛ ولئن كان لبنى الآدميين سباخ إنه لمن سباخ بنى آدم.
وقيل لأعرابى : لم لا تشرب النبيذ؟ فقال : لا أشرب ما يشرب عقلى.
وقال معاوية : العيال أرضة المال. وقال خالد بن صفوان : إياكم ومجانيق الضعفاء (٣). وقال : لا تضع معروفك عند فاجر ، ولا أحمق ، ولا لئيم ، فإن الفاجر يرى ذلك ضعفا ، والأحمق لا يعرف ما أوتى إليه فيشكره على مقدار عقله ، واللئيم سبخة لا ينبت شيئا ولا يثمر ؛ ولكن إذا رأيت الثرى فازرع المعروف تحصد الشكر ، وأنا الضامن.
وأهدت امرأة من العجم إلى هوى لها فى يوم نوروز وردا وكتبت إليه : هذا اليوم أحد (٤) فتيان الدهر وشاب (٥) أقسامه ، والقصف فيه عروس ، والورد فى البرد كالدر فى النّحر ؛ وقد بعثت إليك منه مهرا ليومك ، فزوّج السرور من النفس ، والطرب من القلب ، ولا تستقل برا ، فإنا لا نستكثر على قبوله شكرا.
وقال آخر فى رجل : ما ذا تثير الخبرة من دفأن كرمه. وقال أعرابى لخصمه : أما والله لئن هملجت إلى الباطل ، إنك عن الحق لقطوف ، ولئن أبطأت عنه لتسر عن إليه ؛ فاعلم أنه إن لم يعد لك الحق عدلك الباطل ، والآخرة من ورائك. وقال آخر : الخط مركب البيان. وقال آخر : القلم لسان اليد. وسمعت بعض الأطباء يقول : الماء مطية الطعام.
وقال الحسن بن وهب لكاتبه : لا ترق ماء معروفى بالمن ؛ فإن اعتدادك بالعرف
__________________
(١) كذا فى ب ، وفى ط «شئز».
(٢) لا ينكش غماره : لا ينزف ماؤه.
(٣) المجانيق : جمع ، واحده منجنيق بفتح الميم وكسرها : القذاف التى ترمى بها الحجارة ،
(٤) فى ب «واحد».
(٥) فى ط «وشباب» ، وما أثبتناه عن ب.