ومن عجيب هذا الباب قول بعض شعراء عبد القيس (١) :
ولما رأيت الدهر وعرا سبيله |
|
وأبدى لنا ظهرا أجبّ مسلّعا (٢) |
وجبهة قرد كالشراك ضئيلة |
|
وصعّر خدّيه وأنفا مجدّعا (٣) |
ومعرفة حصّاء غير مفاضة |
|
عليه ولونا ذا عثانين (٤) أنزعا |
وما أعرف متى رأى هذا للدّهر جبهة كالشّراك مع هذا الذى عدده ؛ فجاء بما يضحك الثكلى.
وقال الكميت :
ولما رأيت الدهر يقلب بطنه |
|
على ظهره فعل الممعّك (٥) فى الرّمل |
كما ظعنت عنا قضاعة ظعنة |
|
هى الجدّ مأدوم النّحيزة بالهزل (٦) |
ومن ذلك قول الأخطل :
إكسير هذا الخلق يلقى واحد |
|
منه على ألف فيكرم خيمه (٧) |
وقول أبى تمام :
حتى اتّقته بكيمياء السّودد
فلا ترى شيئا أبعد من إكسير الخلق ، وكيمياء السؤدد.
وقد أكثر أبو تمام من هذا الجنس اغترارا بما سبق منه فى كلام القدماء مما تقدّم ذكره ، فأسرف ، فنغى عليه ذلك ، وعيب به ؛ وتلك عاقبة الإسراف. فمن ذلك قوله (٨) :
يا دهر قوّم من أخدعيك فقد |
|
أضججت هذا الأنام من خرقك |
وقوله (٩) :
كانوا رداء زمانهم فتصدّعوا |
|
فكأنما لبس الزّمان الصّوفا |
__________________
(١) الموازنة : ١١٨
(٢) مسلع : مشقق.
(٣) هذا البيت لم يرد فى ط ، وهو فى او الموازنة.
(٤) الحصاء التى قل شعرها : العثنون : اللحية ، أو ما فضل منها ، أو ما نبت على الذقن وتحته ، وشعيرات طوال تحت حنك البعير وجمعه عثانين. وفى الموازنة : عثانين أجمعا.
(٥) الممعك : تمعك : تمرغ.
(٦) النحيزة : الطبيعة.
(٧) الخيم : السجية والطبيعة.
(٨) ديوانه : ٢١ ، الوساطة ٦٨.
(٩) ديوانه : ٢٠٦ ، الوساطة ٦٩ ، الموشح ٢٠٦.