لا على جهة الاستطراف والتظرّف لها.
يقول : ينبغى أن يتكلّم بفاخر الكلام ، ونادره ورصينه ومحكمه عند من يفهمه عنه ، ويقبله منه ، ممن عرف المعانى والألفاظ علما شافيا ؛ لنظره واللغة والإعراب والمعانى على جهة الصناعة ، لا كمن استطرف شيئا منها ؛ فنظر ، به نظرا غير كامل ، أو أخذ من أطرافه ، وتناول من أطراره (١) ، فتحلّى باسه ، وخلا من وسمه. فإذا سمع لم يفقه ، وإذا سئل لم ينقه. وإذا تكلّم عند من هذه صفته ذهبت فائدة كلامه ، وضاعت منفعة منطقه ؛ لأنّ العامىّ إذا كلمته بكلام العلية سخر منك ، وزرى عليك ؛ كما روى عن بعضهم أنه قال لبعض العامّة : بم كنتم تنتقلون البارحة؟ يعنى على النبيذ. فقال : بالحمّالين. ولو قال له : أى شيء كان نقلكم (٢) لسلم من سخريته. فينبغى أن يخاطب كلّ فريق بما يعرفون ، ويتجنّب ما يجهلون.
وأما قوله : «من تعوّد حذف فضول الكلام». فحذف فضول الكلام هو أن يسقط من الكلام ما يكون الكلام مع إسقاطه تامّا غير منقوص ، ولا يكون فى زيادته فائدة.
وذلك مثل ما روى عن معاوية أنه قال لصحار العبدى : ما البلاغة؟ فقال : أن تقول فلا تخطى ، وتسرع فلا تبطئ. ثم قال : أقلنى ؛ هو ألّا تخطئ ولا تبطئ. فألقى اللفظتين ؛ لأنّ فى الذى أبقى غنى عنهما ، وعوضا منهما.
فأما إذا كان فى زيادة الألفاظ وتكثيرها ، وترديدها وتكريرها ، زيادة فائدة فذلك محمود ، وهو من باب التذييل. ونشرحه فى موضعه إن شاء الله.
وقوله : ومشتركات الألفاظ ؛ وقول جعفر بن يحيى : وتخرجه من الشركة ؛ فهو أن يريد الإبانة عن معنى فيأتى بألفاظ لا تدلّ عليه خاصة ؛ بل تشترك معه فيها معان أخر ، فلا يعرف السامع أيها أراد. وربما استبهم الكلام فى نوع من هذا الجنس
__________________
(١) أطراره : أطرافه
(٢) النقل : ما يتنقل به على الشراب.