على أنّ المحتج له لو قال : إن أكثر العادة فى السحاب أن يحمد أثره ، ويثنى عليه بعده لما كان مبعدا. ولم أزد عيب أبى تمام بما قلت ، وإنما أردت الإخبار عن وجوه الاشتراك ، وذكر ما يتشعّب منه ، وما يقرب من بابه ، وينظر إليه من قريب أو بعيد.
ومثل قول أبى تمام قول ابن قيس الرقيات :
إن تعش لا نزل بخير وإن ته |
|
لك نزل مثل ما يزول العماء |
والعماء : السّحاب. بل هذا أجود من بيت أبى تمام وأبين.
ومن اللفظ المشترك قول أبى نواس :
وخبن ما يخبن من آخر |
|
منه وللطّابن أمهار (١) |
الأمهار هاهنا جمع مهر ، من قولهم : مهر يمهر مهرا. والمصادر لا تجمع ، ولا يشكّ سامع هذا الكلام أنه يريد جمع مهر فيشكل المعنى عليه.
وخطب بعض المتكلّمين ، فقال فى صفة الله تعالى : لا يقاس بالقياس ، ولا يدرك بالالماس. أراد جمع لمس ؛ فأصاب السجع وأخطأ المعنى.
وأمّا ما يستبهم فلا يعرف معناه إلا بالتوهّم فهو مثل قول أبى تمام (٢) :
جهميّة الأوصاف إلّا أنهم |
|
قد لقّبوها جوهر الأشياء |
فوجه الاشتراك فى هذا : أن لجهم مذاهب كثيرة ، وآراء مختلفة متشعّبة ، لم يدلّ فحوى كلام أبى تمام على شيء منها يصلح أن يشبّه به الخمر وينسب إليه ، إلا أن يتوهّم المتوهم فيقول : إنما أراد كذا وكذا ، من مذاهب جهم ، من غير أن يدلّ الكلام منه على شيء بعينه.
ولا يعرف معنى قوله : «قد لقّبوها جوهر الأشياء» إلا بالتوهّم أيضا.
ومن الكلام الخالى من الاشتراك قول بعضهم لأخ له أراد فراقه : لما تصفّحت أخلاقك فوجدتها مباينة لمشاكلتى ، زائغة عن قصد طريقتى ـ صبرت عليها ؛ رياضة لنفسى على الصبر لمساوى أخلاق المعاشرين ، ولعلمى بكامن العدوان فى جميع العالمين ، والذى رجوت من مذمّة خصالك بما أقابلها به من التجاوز ، وأسحب على سوء آثارها
__________________
(١) فى الديوان ص ٩٢ «وخبن ما يخبن من بعده». الطابن : الفطن.
(٢) ديوانه : ٣.