ومن النثر قول بعضهم : فإنّ أهل الرأى والنّصح لا يساويهم ذو الأفن والغشّ ، وليس من جمع إلى الكفاية الأمانة ، كمن أضاف إلى العجز الخيانة. فجعل بإزاء الرأى الأفن وبإزاء الأمانة الخيانة ؛ فهذا على وجه المخالفة.
وقيل للرشيد : إن عبد الملك بن صالح يعدّ كلامه ، فأنكر ذلك الرشيد ، وقال : إذا دخل فقولوا له : ولد لأمير المؤمنين فى هذه الليلة ابن ومات له ابن ، ففعلوا. فقال : سرّك الله يا أمير المؤمنين فيما ساءك ، ولا ساءك فيما سرك ، وجعلها واحدة بواحدة ، ثواب الشاكر ، وأجر الصابر ؛ فعرفوا أنّ بلاغته طبع.
وكتب جعفر بن محمد بن الأشعث إلى يحيى بن خالد يستعفيه من عمل : شكرى لك على ما أريد الخروج منه شكر من نال الدخول فيه.
وكتب بعض الكتاب إلى رجل : فلو أن الأقدار إذ رمت بك فى المراتب إلى أعلاها بلغت بك من أفعال السؤدد منتهاها لوازنت مساعيك مراقيك ، وعادلت النعمة عليك النعمة فيك ، ولكنك قابلت رفيع المراتب بوضيع الشّيم ؛ فعاد علوّك بالاتفاق إلى حال دونك بالاستحقاق ، وصار جناحك فى الانهياض (١) إلى مثل ما عليه قدرك فى الانخفاض ؛ ولا عجب أن القدر أذنب فيك فأناب ، وغلط بك فعاد إلى الصواب ؛ فأكثر هذه الألفاظ مقابلة وقال الجعدى (٢) :
فتى كان فيه ما يسرّ صديقه |
|
على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا |
وقال آخر (٣) :
وإذا حديث ساءنى لم أكتئب |
|
وإذا حديث سرنى لم أشر (٤) |
وهذا فى غاية التقابل.
ومن مقابلة المعانى بعضها لبعض ، وهو من النوع الذى تقدم فى أول الفصل قول الآخر :
وذى أخوة قطّعت أقران بينهم |
|
كما تركونى واحدا لا ألحاليا |
__________________
(١) انهياض الجناح : انكساره
(٢) نهاية الأرب : ٧ ـ ١٠٢
(٣) نقد الشعر : ٧٩.
(٤) الأشر : المرح والبطر.