وقول الآخر (١) :
أسرناهم وأنعمنا عليهم |
|
وأسقينا دماءهم الترابا |
فما صبروا لبأس عند حرب |
|
ولا أدّوا لحسن يد ثوابا |
فجعل بإزاء الحرب أن لم يصبروا ، وبإزاء النعمة أن لم يثيبوا ؛ فقابل على وجه المخالفة.
وقال آخر (٢) :
جزى الله عنا ذات بعل تصدقت |
|
على عزب حتى يكون له أهل |
فإنا سنجزيها بمثل فعالها |
|
إذا ما تزوجنا وليس لها بعل |
فجعل حاجته وهو عزب بحاجتها وهى عزب ، ووصاله إياها فى حال عزبتها ، كوصالها إياه فى حال عزبته ؛ فقابل من جهة الموافقة.
ومن سوء المقابلة قول امرئ القيس (٣) :
فلو أنها نفس تموت سويّة |
|
ولكنها نفس تساقط (٤) أنفسا |
ليس «سوية» بموافق «لتساقط» ولا مخالف له ، ولهذا غيّره أهل المعرفة فجعلوه «جميعة» ؛ لأنه بمقابلة «تساقط» أليق.
فساد المقابلة |
وفساد المقابلة أن تذكر معنى تقتضى الحال ذكرها بموافقة أو مخالفة ، فيؤتى بما لا يوافق ولا يخالف ، مثل أن يقال : فلان شديد البأس ، نقى الثغر ، أو جواد الكف ، أبيض الثوب. أو تقول : ما صاحبت خيّرا ، ولا فاسقا ، وما جاءنى أحمر ، ولا أسمر. ووجه الكلام أن تقول : ما جاءنى أحمر ولا أسود ، وما صاحبت خيّرا ولا شريرا ، وفلان شديد البأس ، عظيم النكاية ، وجواد الكفّ ، كثير العرف. وما يجرى مع ذلك ؛ لأن السمرة لا تخالف السواد غاية المخالفة ، ونقاء الثغر لا يخالف شدة البأس ولا يوافقه ، فاعلم ذلك وقس عليه.
__________________
(١) نقد الشعر : ٨٠ ، ونسبهما إلى الطرماح.
(٢) نقد الشعر : ٨٠.
(٣) ديوانه : ١٤٢.
(٤) أى يموت بموتها خلق كثير.