الفصل السّادس
فى صحة التفسير
التفسير |
وهو أن يورد معانى فيحتاج إلى شرح أحوالها ، فإذا شرحت تأتى فى الشرح بتلك المعانى من غير عدول عنها أو زيادة تزاد فيها ، كقول الله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) ، فجعل السكون لليل ، وابتغاء الفضل للنهار ؛ فهو فى غاية الحسن ، ونهاية التمام.
ومن النثر ما كتب بعضهم : إن لله عزوجل نعما لو تعاون خلقه على شكر واحدة منها لأفنوا أعمارهم قبل قضاء الحقّ فيها ، ولي ذنوب لو فرّقت بين خلقه جميعا لكان كلّ واحد منهم عظيم الثقل منها ؛ ولكنه يستر بكرمه ، ويعود بفضله ، ويؤخر العقوبة انتظارا للمراجعة من عبده ، ولا يخلى المطيع والعاصى من إحسانه وبرّه.
فذكر جملتين ؛ وهما نعم الله تعالى وذنوب عبده ، ثم فسّر كلّ واحدة منهما مرتين تفسيرا صحيحا. قوله : «يستر بكرمه» راجع إلى الذنوب ، وقوله : «يعود بفضله» راجع إلى النعم ، فاستوفى. ثم قال : «ويؤخر العقوبة» فهذا أيضا راجع إلى الذنوب ، وقوله : «ولا يخلى المطيع والعاصى من إحسانه وبره» راجع إلى النّعم ، فهو تفسير صحيح فى تفسير صحيح.
ومن ذلك قول بعض أهل الزمان وقد كتب إليه بعض الأشراف كتابا وسأله أن يصلح ما يجد فيه من سقم ؛ فكتب إليه : فأمّا ما رسمه من سدّ ثلمه ، وجبر كسره ، ولم شعثه ؛ فأىّ ثلم يوجد فى أديم السماء ؛ وأىّ كسر يلفى فى حاجب ذكاء ؛ وأىّ شعث يرى فى الزّهرة الزهراء! ففسر الثلاثة ، ولم يغادر منها واحدا. ومثاله من المنظوم قول الفرزدق (١) :
__________________
(١) نقد الشعر : ٨١ ، نهاية الأرب : ٧ ـ ١٢٩.