وقال النابغة (١) :
فإنك سوف تحلم أو تناهى |
|
إذا ما شبت أو شاب الغراب |
مثال الغلو من النثر |
ومثال الغلو من النثر قول امرأة من العجم كانت لا تظهر إذا طلعت الشمس فقيل لها فى ذلك ، فقالت : أخاف أن تكسفنى. وقال أعرابى : لنا تمرة فطساء جرداء ؛ تضع التمرة فى فيك ، فتجد حلاوتها فى كعبك. وقيل لأعرابىّ : ما حضر (٢) فرسك؟ قال : يحضر ما وجد أرضا. ووصف أعرابى فرسه ، فقال : إن الوابل ليصيب عجزه ؛ فلا يبلغ إلى معرفته حتى أبلغ حاجتى. وذمّ أعرابى رجلا ، فقال : يكاد يعدى لؤمه من تسمّى باسمه.
كتب بعضهم يصف رجلا ، فقال : أما بعد ، فإنك قد كتبت تسأل عن فلان ، كأنك قد هممت بالقدوم عليه ، أو حدّثت نفسك بالوفود إليه ، فلا تفعل ، فإنّ حسن الظن به لا يقع إلا بخذلان الله تعالى ، وإنّ الطمع فيما عنده لا يخطر على القلب إلا بسوء التوكل على الله تعالى ، والرجاء لما فى يديه لا ينبغى إلا بعد اليأس من رحمة الله تعالى ؛ لا يرى إلا أن الإقتار الذى نهى الله عنه هو التبذير الذى يعاقب عليه ، والاقتصاد الذى أمر به هو الإسراف الذى يغضب منه ، وأن الصنيعة مرفوعة ، والصلة موضوعة ، والهمة مكروهة ، والثقة منسوخة ، والتوسع ضلالة ، والجود فسوق ، والسخاء من همزات الشياطين ، وأن مواساة الرجل أخاه من الذنوب الموبقة ، وإفضاله عليه إحدى الكبائر المرهقة ، وأن الله تعالى لا يغفر أن يؤثر المرء على نفسه ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، ومن آثر على نفسه فقد ضل ضلالا بعيدا ، وخسر خسرانا مبينا ؛ كأنه لم يسمع بالمعروف إلا فى الجاهلية الذين قطع الله دابرهم ، ومحا معالمهم ، ونهى المسلمين عن اتباع آثارهم ، وحظر عليهم أن يختاروا مثل اختيارهم ، يظنّ أن الرّجفة لم تأخذ أهل مدين إلا لسخاء كان فيهم ، ولم تهلك عادا بالريح العقيم
__________________
(١) ديوانه : ١٤.
(٢) حضر الفرس : ارتفاعه فى عدوه.