الفصل الرابع عشر
فى التذييل
موقع التذييل فى الكلام |
التذييل |
وللتذييل فى الكلام موقع جليل ، ومكان شريف خطير ؛ لأن المعنى يزداد به انشراحا والمقصد اتضاحا. وقال بعض البلغاء : للبلاغة ثلاثة مواضع ؛ الإشارة ، والتذييل ، والمساواة. وقد شرحنا الإشارة والمساواة فيما تقدم ؛ فأما التذييل فهو إعادة الألفاظ المترادفة على المعنى بعينه ، حتى يظهر لمن لم يفهمه ، ويتوكد عند من فهمه ، وهو ضدّ الإشارة والتعريض ؛ وينبغى أن يستعمل فى المواطن الجامعة ، والمواقف الحافلة ؛ لأن تلك المواطن تجمع البطيء الفهم ، والبعيد الذهن ، والثاقب القريحة ، والجيد الخاطر ، فإذا تكررت الألفاظ على المعنى الواحد توكد عند الذهن اللقن ، وصح للكليل البليد.
مثاله من القرآن |
ومثاله من القرآن قول الله عزوجل : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) ؛ ومعناه وهل يجازى بمثل هذا الجزاء إلا الكفور.
وقوله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ). وإن كل (نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) جميعا تذييل.
من النثر |
ومثاله من النثر قول بعضهم : قبول السّعاية شر من السعاية ؛ لأنّ السعاية إخبار ودلالة ، والقبول إنفاذ وإجازة ، وهل الدّال المخبر ، مثل المجيز المنفذ ، فإذا كان كذلك فالحزم أن يمقت الساعى على سعايته إن كان صادقا للؤمه فى هتك العورة ، وإضاعة الحرمة ، وأن يجمع له إلى المقت العقوبة إن كان كاذبا ، لجمعه على إضاعة الحرمة ، وهتك العورة ومبارزة الرحمن بقول الزّور واختلاق البهتان. فقوله : «وهل الدال المخبر مثل المجيز المنفذ» تذييل ما تقدم من الكلام.