الفصل السّادس عشر
فى الإيغال
الإيغال |
وهو أن يستوفى معنى الكلام قبل البلوغ إلى مقطعه ؛ ثم يأتى بالمقطع فيزيد معنى آخر يزيد به وضوحا وشرحا وتوكيدا وحسنا ، وأصل الكلمة من قولهم : أوغل فى الأمر إذا أبعد الذهاب فيه.
وأخبرنا أبو أحمد قال أخبرنا الصولى عن المبرّد عن التّوّزى ، قال : قلت للأصمعى : من أشعر الناس؟ فقال : من يأتى بالمعنى الخسيس فيجعله بلفظه كبيرا ، أو الكبير فيجعله بلفظه خسيسا ، أو ينقضى كلامه قبل القافية ، فإذا احتاج إليها أفاد بها معنى. قال : قلت : نحو من؟ قال : قول ذى الرّمة حيث يقول (١) :
قف العيس فى أطلال مية فاسأل |
|
رسوما كأخلاق الرّداء المسلسل |
فتم كلامه «بالرداء» قبل المسلسل ، ثم قال «المسلسل» ؛ فزاد شيئا بالمسلسل. ثم قال :
أظن الذى يجدى عليك سؤالها |
|
دموعا كتبذير الجمان المفصّل |
فتم كلامه ، بالجمان ، ثم قال : المفصل ، فزاد شيئا. قلت : ونحو من؟ قال : الأعشى حيث يقول (٢) :
كناطح صخرة يوما ليفلقها |
|
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل |
فتم كلامه «بيضرها ، فلما احتاج إلى القافية قال : وأوهى قرنه الوعل ؛ فزاد معنى. قلت : وكيف صار الوعل مفضّلا على كل ما ينطح؟ قال : لأنه ينحطّ من قلة الجبل على قرنيه فلا يضيره.
وكتب بعض الكتاب : نبوّ الطرف من الوزير دليل على تغير الحال عنده ،
__________________
(١) نهاية الأرب : ٧ ـ ١٣٨ ، ديوانه ٧٢.
(٢) العمدة : ٢ ـ ٥٢ ، المعلقات : ٢٨٤.