الفصل الرابع والعشرون
فى الاستطراد
الاستطراد |
وهو أن يأخذ المتكلّم فى معنى ، فبينا يمرّ فيه يأخذ فى معنى آخر ؛ وقد جعل الأول سببا إليه ؛ كقول الله عزوجل : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) ، فبينا يدلّ الله سبحانه على نفسه بإنزال الغيث واهتزاز الأرض بعد خشوعها قال : (إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى) فأخبر عن قدرته على إعادة الموتى بعد إفنائها وإحيائها بعد إرجائها ، وقد جعل ما تقدّم من ذكر الغيث والنبات دليلا عليه ، ولم يكن فى تقدير السامع لأوّل الكلام ، إلا أنّه يريد الدلالة على نفسه بذكر المطر ، دون الدّلالة على الإعادة ، فاستوفى المعنيين جميعا.
مثاله من المنظوم |
ومثاله من المنظوم قول حسان (١) :
إن كنت كاذبة الّذى حدّثتنى |
|
فنجوت منجى الحارث بن هشام |
ترك الأحبة أن يقاتل عنهم (٢) |
|
ونجا برأس طمّرة ولجام (٣) |
وذلك أن الحارث بن هشام فرّ يوم بدر عن أخيه أبى جهل ، وقال يعتذر (٤) :
الله يعلم ما تركت قتالهم |
|
حتى علوا فرسى بأشقر مزبد |
وعلمت أنّى إن أقاتل واحدا |
|
أقتل ولا يضرر (٥) عدوّى مشهدى |
وشممت ريح الموت من تلقائهم |
|
فى مأزق والخيل لم تتبدّد |
فصددت عنهم والأحبّة فيهم |
|
طمعا لهم بعقاب يوم مرصد (٦) |
وهذا أول من اعتذر من هزيمة رويت عن العرب.
__________________
(١) ديوانه ٩٥ وسيرة ابن هشام ٣ : ٣٨٣ ، إعجاز القرآن للباقلانى ٩٣.
(٢) فى الديوان : «دونهم».
(٣) الطمر ، بتشديد الراء : الفرس الجواد ، وقيل : المستفز للوثب ، والأنثى طمرة.
(٤) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٨٥.
(٥) فى السيرة : «ينكى».
(٦) فى السيرة : «مفسد».