وقال جعفر بن يحيى : البلاغة أن يكون الاسم يحيط بمعناك ؛ ويجلّى عن مغزاك ، وتخرجه من الشركة ، ولا تستعين عليه بطول الفكرة ، ويكون سليما من التكلّف ، بعيدا من سوء الصّنعة ؛ بريّا من التعقيد ، غنيّا عن التأمّل.
قوله : أن يكون الاسم يحيط بمعناك. فالاسم هاهنا : اللّفظ ؛ أى يحصر اللفظ جميع المعنى ويشتمل عليه. فلا يشذّ منه شيء يحتاج أن يعرف بشرح ، أو تفسير ؛ فإذا سمعت اللفظ عرفت أقصى المعنى ، هذا مثل قول الآخر : البليغ من طبّق المفصل فأغناك عن المفسر (١).
ولا يكون الكلام بليغا مع ذلك حتى يعرى من العيب ، ويتضمّن الجزالة والسهولة وجودة الصنعة ، كما ذكرنا قبل.
ومثال ذلك ما كتب بعضهم إلى أخ له : أما بعد فإنّ المرء ليسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ؛ فليكن سرورك فيما قدمت من خير ، وأسفك على ما فاتك من برّ.
وقول أعرابى لابنه : يا بنىّ ؛ إن الدنيا تسعى على من يسعى لها ، فالهرب قبل العطب. فقد أذنتك ببين ، وانطوت لك على حين. قال الشاعر :
حلال لليلى أن تروع فؤاده |
|
يهجر ومغفور لليلى ذنوبها |
تطلّع من نفسى لليلى نوازع |
|
عوارف أنّ اليأس منك نصيبها |
وزالت زوال الشمس عن مستقرّها |
|
فمن مخبرى فى أىّ أرض غروبها |
وقال آخر :
وما ذا عسى الواشون أن يتحدّثوا |
|
سوى أن يقولوا إنّنى لك عاشق |
أجل صدق الواشون أنت حبيبة |
|
إلىّ وإن لم تصف منك الخلائق |
وقوله : ويجلّى عن مغزاك. أى يوضّح مقصدك ، ويبيّن للسامع مرادك ؛ ينهى عن التعمية والإغلاق.
__________________
(١) المفسر : مصدر ميمى كالفسر بمعنى التفسير.