الباب العاشر
فى ذكر مبادئ الكلام ومقاطعه والقول فى حسن الخروج والفصل
والوصل وما يجرى مجرى ذلك
الفصل الأوّل
فى ذكر المبادئ
حسن ابتداءات وقبحها |
أمثلة |
قال بعض الكتّاب : أحسنوا معاشر الكتّاب الابتداءات فإنهن دلائل البيان. وقالوا : ينبغى للشاعر أن يحترز فى أشعاره ، ومفتتح أقواله ؛ مما يتطيّر منه ، ويستجفى من الكلام والمخاطبة والبكاء ووصف إقفار الديار وتشتيت الألّاف ونعى الشباب وذمّ الزمان ؛ لا سيّما فى القصائد التى تتضمن المدائح والتهانى. ويستعمل ذلك فى المراثى ، ووصف الخطوب الحادثة ؛ فإن الكلام إذا كان مؤسسا على هذا المثال تطيّر منه سامعه ، وإن كان يعلم أن الشاعر إنما يخاطب نفسه دون الممدوح ، مثل ابتداء ذى الرّمة (١) :
ما بال عينك منها الماء ينسكب |
|
كأنه من كلى مفرية سرب (٢) |
وقد أنكر الفضل بن يحيى البرمكى على أبى نواس ابتداءه (٣) :
أربع البلى إن الخشوع لبادى |
|
عليك وإنى لم أخنك ودادى |
قال فلما انتهى إلى قوله :
سلام على الدّنيا إذا ما فقدتم |
|
بنى برمك من رائحين وغاد |
وسمعه استحكم تطيّره ، وقيل : إنه لم يمض أسبوع حتى نكبوا.
ومثله ما أخبرنا به أبو أحمد ، قال : حدثنا الصولى ، قال : حدثنا محمد بن العباس
__________________
(١) الجمهرة : ٣٦٠
(٢) الكلى : جمع كلية ، والمفرية : المحزوزة ، والسرب : الجارى.
(٣) ديوانه ٧٣