عنم (١) يكاد من اللّطافة يعقد
وعرف أنه عيب (٢) خرج وهو يقول : دخلت يثرب فوجدت فى شعرى صنعة ، فخرجت منها وأنا أشعر العرب ؛ أى وجدت نقصانا عن غاية التمام.
وأخبرنا أبو أحمد عن أبى بكر الصولى ، قال : كان ابن الأعرابى يأمر بكتب جميع ما يجرى فى مجلسه ، قال : فأنشده رجل يوما أرجوزة أبى تمام فى وصف السحاب على أنها لبعض العرب :
سارية لم تكتحل بغمض |
|
كدراء ذات هطلان محض |
موقرة من خلّة وحمض |
|
تمضى وتبقى نعما لا تمضى |
قضت بها السماء حقّ الأرض (٣) |
فقال ابن الأعرابى : اكتبوها ، فلمّا كتبوها قيل له : إنها لحبيب بن أوس ؛ فقال : خرّق خرّق (٤) ، لا جرم إن أثر الصّنعة فيها بيّن.
وقال الفرزدق القصائد تصنّعا ؛ أى معابا ومنقصة عن حدّ الإحسان.
وقوله : بعيدا عن التعقيد. والتعقيد ، والإغلاق ، والتقعير سواء. وهو استعمال الوحشىّ ، وشدة تعليق الكلام بعضه ببعض ؛ حتى يستبهم المعنى. وقد ذكرنا أمثلة ذلك فيما تقدّم ، ونذكر هاهنا منها شيئا :
فمثال الوحشىّ قول بعض الأمراء وقد اعتلّت أمّه فكتب رقاعا وطرحها فى المسجد الجامع بمدينة السلام : صين امرؤ ورعى ، دعا لامرأة إنقحلة (٥) مقسئنّة ، قد منيت بأكل الطّرموق ؛ فأصابها من أجله الاستمصال ، أن يمنّ الله عليها
__________________
(١) العنم : نبت أحمر يصبغ به.
(٢) العيب فى «يعقد» بالرفع ، وهو ما يسمى بالإقواء ، وهو اختلاف حركة الروى.
(٣) السارية : السحابة تأتى ليلا. والخلة ، بالضم : ما فيه حلاوة من النبات. والحمض : ما ملح وأمر من النبات ، وعليه قولهم : الخلة خبز الإبل ، والحمض فاكهتها.
(٤) التخريق : التمزيق.
(٥) قحل الشيخ : يبس جلده على عظمه وهو قحل وانقحل. واقسأن الرجل : كبر وعسا.