رأيته فى بعض أصولى كما ذكرته قبل ، فأوردته هاهنا ، وفسّرته على ما رأيته فى الأصل.
وقوله : والتباعد من حشو الكلام. فالحشو على ثلاثة أضرب : اثنان منها مذمومان ، وواحد محمود :
فأحد المذمومين هو إدخالك فى الكلام لفظا لو أسقطته لكان الكلام تاما ، مثل قول الشاعر :
أنعى فتى لم تذرّ الشمس طالعة |
|
يوما من الدهر إلّا ضرّ أو نفعا |
فقوله : يوما من الدّهر حشو لا يحتاج إليه ؛ لأن الشمس لا تطلع ليلا.
وقول بعض بنى عبس : أنشدنا أبو أحمد عن الصولى عن ثعلب عن ابن الأعرابى :
أبعد بنى بكر أؤمّل مقبلا |
|
من الدهر أو آسى على إثر مدبر |
وليس وراء الفوت شيء يردّه |
|
عليك إذا ولّى سوى الصّبر فاصبر |
أولاك بنو خير وشرّ كليهما |
|
جميعا ومعروف أريد ومنكر |
قوله : أريد حشو وزيادة. وقوله : كليهما يكاد يكون حشوا ، وليس به بأس ، وباقى الكلام متوازن الألفاظ والمعانى ، لا زيادة فيه ولا نقصان. وهذا الجنس كثير فى الكلام.
والضرب الآخر العبارة عن المعنى بكلام طويل لا فائدة فى طوله ويمكن أن يعبّر عنه بأقصر منه. مثل قول النابغة (١) :
تبيّنت آيات لها فعرفتها |
|
لستّة أعوام وذا العام سابع |
كان ينبغى أن يقول لسبعة أعوام ويتمّ البيت بكلام آخر يكون فيه فائدة ، فعجز عن ذلك ، فحشا البيت بما لا وجه له.
وأما الضرب المحمود فكقول كثيّر :
لو أنّ الباخلين وأنت فيهم |
|
رأوك تعلّموا منك المطالا (٢) |
__________________
(١) ديوانه ٤٩ ، ٦٧.
(٢) المطال : التسويف.