قوله : «وأنت فيهم» حشو إلّا أنه مليح. ويسمّى أهل الصنعة هذا الجنس اعتراض كلام فى كلام.
ومنه قول الآخر ، وهو جرير (١) :
إنّ الثمانين وبلغتها |
|
قد أحوجت سمعى إلى ترجمان |
وسنأتى على هذا الباب فيما بعد إن شاء الله.
ومن الكلام الذى لا حشو فيه قول صبرة بن شيمان حين دخل على معاوية مع الوفود فتكلّموا فأكثروا ، فقال صبرة : يا أمير المؤمنين ، إنّا حىّ فعال ، ولسنا حىّ مقال ، ونحن بأدنى فعالنا عند أحسن مقالهم.
فقال معاوية : صدقت.
ومن هذا قول الشاعر :
وتجهل أيدينا ويحلم رأينا |
|
ونشتم بالأفعال لا بالتّكلّم |
وكتب رجل إلى أخ له : ثقتى بكرمك تمنع من اقتضائك ، وعلمى بشغلك يحدو على ادّكارك.
وقال آخر : فى الناس طبائع سيئة وحسنة ، فارتبط بمن رجحت محاسنه.
وقال الحسن : نعم الله على العبد أكثر من أن تشكر ، إلّا أن يعان عليها. وذنوبه أكثر من أن يسلم منها ، إلا أن يعفى له عنها.
وأما قرب المأخذ فهو أن تأخذ عفو الخاطر ، وتتناول صفو الهاجس ، ولا تكدّ فكرك ، ولا تتعب نفسك. وهذه صفة المطبوع.
وروى أن الرشيد ، أو غيره ، قال لندمائه ـ وقد طلعت الثريّا : أما ترون الثريّا؟ فقال بعضهم : كأنها عقد ريا.
__________________
(١) التبيان : ٣ ـ ٢١٦ ، وقد نسبه هناك إلى عوف بن محلم.