فقال المرتدّ : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولا ولد ، وأن المسيح عبد الله ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم صادق ، وأنك أمير المؤمنين حقّا.
وقال ابن المقفّع : البلاغة كشف ما غمض (١) من الحقّ ، وتصوير الحقّ فى صورة الباطل.
والذى قاله أمر صحيح لا يخفى موضع الصواب فيه على أحد من أهل التمييز والتحصيل ؛ وذلك أنّ الأمر الظاهر الصحيح الثابت المكشوف ينادى على نفسه بالصحّة ، ولا يحوج إلى التكلّف لصحّته حتى يوجد المعنى فيه خطيبا.
وإنما الشأن فى تحسين ما ليس بحسن ، وتصحيح ما ليس بصحيح بضرب من الاحتيال والتحيّل (٢) ، ونوع من العلل والمعاريض (٣) والمعاذير ، ليخفى موضع الإشارة ، ويغمض موقع التقصير ؛ وما أكثر ما يحتاج الكاتب إلى هذا الجنس عند اعتذاره من هزيمة ، وحاجته إلى تغير رسم ؛ أو رفع منزلة دنىء له فيه هوى ؛ أو حطّ منزلة شريف استحقّ ذلك منه ، إلى غير ذلك من عوارض أموره.
فأعلى رتب البلاغة أن يحتجّ للمذموم حتى يخرجه فى معرض المحمود ، وللمحمود حتى يصيّره فى صورة المذموم. وقد ذمّ عبد الملك بن صالح المشورة ، وهى ممدوحة بكل لسان ، فقال : ما استشرت أحدا إلا تكبر على وتصاغرت له ، ودخلته العزّة ودخلتنى الذّلة ؛ فعليك بالاستبداد فإن صاحبه جليل فى العيون ، مهيب فى الصدور ؛ وإذا افتقرت إلى العقول حقرتك العيون ، فتضعضع شأنك ، ورجفت (٤) بك أركانك ، واستحقرك الصغير ، واستخفّ بك الكبير ، وما عزّ سلطان لم يغنه عقله عن عقول وزرائه وآراء نصائحه.
ومدح بعضهم الموت فقال :
قد قلت إذ مدحوا الحياة فأكثروا |
|
فى الموت ألف فضيلة لا تعرف |
__________________
(١) فى ط «أغمض» ، وصوابه عن ا ، ب
(٢) التحيل : الاحتيال.
(٣) المعاريض : التورية بالشىء وعن الشىء.
(٤) رجفت : تحركت واضطربت.