الباب الثّانى
فى تمييز الكلام جيده من رديه ونادره من بارده والكلام فى المعانى (فصلان)
الفصل الأول من الباب الثانى
فى تمييز الكلام
الكلام ـ أيدك الله ـ يحسن بسلاسته ، وسهولته ، ونصاعته ، وتخيّر لفظه ، وإصابة معناه ، وجودة مطالعه ، ولين مقاطعه ، واستواء تقاسيمه ، وتعادل أطرافه ، وتشابه (١) أعجازه بهواديه (٢) ، وموافقة مآخيره لمباديه ، مع قلّة ضروراته ، بل عدمها أصلا ، حتى لا يكون لها فى الألفاظ أثر ؛ فتجد المنظوم مثل المنثور فى سهولة مطلعه ، وجودة مقطعه ، وحسن رصفه وتأليفه ؛ وكمال صوغه وتركيبه.
فإذا كان الكلام كذلك كان بالقبول حقيقا ، وبالتحفظ خليقا ؛ كقول الأول :
هم الألى وهبوا للمجد أنفسهم |
|
فما يبالون ما نالوا إذا حمدوا |
وقول معن بن أوس (٣) :
لعمرك ما أهويت كفّى لريبة |
|
ولا حملتنى نحو فاحشة رجلى |
ولا قادنى سمعى ولا بصرى لها |
|
ولا دلّنى رأيى عليها ولا عقلى |
وأعلم أنّى لم تصبنى مصيبة |
|
من الدّهر إلّا قد أصابت فتى قبلى |
ولست بماش ما حييت لمنكر (٤) |
|
من الأمر لا يمشى إلى مثله مثلى |
__________________
(١) فى ط ، ب «تشبه» ، وما أثبتناه عن ا.
(٢) الهادى : العنق ، والمتقدم ، وجمعه الهوادى.
(٣) الأمالى : ٢ ـ ٢٣٤.
(٤) فى الأمالى : «بمنكر» من الأمر ما يمشى ...