حللت محلّا يقصر الطّرف دونه |
|
ويعجز عنه الطّيف أن يتجشما (١) |
وقول النابغة (٢) :
ولست بمستبق أخا لا تلمّه |
|
على شعت ، أىّ الرجال المهذّب؟ |
وليس لهذا البيت نظير فى كلام العرب. وقال بعضهم : نظيره قول أوس بن حجر :
ولست بخابئ أبدا طعاما |
|
حذار غد ، لكلّ غد طعام |
وهذا وإن كان نظيره فى التأليف فإنه دونه لما تكرّر فيه من لفظ «غد».
فإذا كان الكلام قد جمع العذوبة ، والجزالة ، والسهولة ، والرّصانة ، مع السلاسة والنصاعة ، واشتمل على الرّونق والطّلاوة ، وسلم من حيف (٣) التأليف ، وبعد عن سماجة التركيب ، وورد على الفهم الثاقب قبله ولم يردّه ، وعلى السّمع المصيب استوعبه ولم يمجّه ؛ والنفس تقبل اللطيف ، وتنبو عن الغليظ ، وتقلق من الجاسى (٤) البشع ؛ وجميع جوارح البدن وحواسّه تسكن إلى ما يوافقه ، وتنفر عمّا يضادّه ويخالفه ؛ والعين تألف الحسن ، وتقذى بالقبيح ؛ والأنف يرتاح للطيب ، وينغر (٥) للمنتن ؛ والفم يلتذّ بالحلو ، ويمجّ المرّ ؛ والسمع يتشوّف للصواب الرائع وينزوى عن الجهير الهائل ؛ واليد تنعم باللّين ، وتتأذّى بالخشن ؛ والفهم يأنس من الكلام بالمعروف ، ويسكن إلى المألوف ، ويصغى إلى الصواب ، ويهرب من المحال ، وينقبض عن الوخم ، ويتأخّر عن الجافى الغليظ ، ولا يقبل الكلام المضطرب إلا الفهم المضطرب ، والرويّة الفاسدة.
وليس الشأن فى إيراد المعانى ، لأنّ المعانى يعرفها العربىّ والعجمىّ والقروى
__________________
(١) التجشم : التكلف على مشقة.
(٢) ديوانه : ١٣ ، والموشح : ٢٣.
(٣) الحيف : الميل.
(٤) الجاسى : الصلب الغليظ.
(٥) نغر ـ بفتح الغين وكسرها : غضب واغتاظ ، من نغر القدر وهو غليانها وفورها. أو من نغر الجرح : إذا سال منه الدم.