فى المعانى لطرحوا أكثر ذلك فربحوا كدّا كثيرا ، وأسقطوا عن أنفسهم تعبا طويلا.
ودليل آخر ؛ إنّ الكلام إذا كان لفظه حلوا عذبا ، وسلسا سهلا ، ومعناه وسطا ، دخل فى جملة الجيّد ، وجرى مع الرائع النادر ؛ كقول الشاعر (١) :
ولمّا قضينا من منى كلّ حاجة |
|
ومسّح بالأركان من هو ماسح |
وشدّت على حدب المهارى رحالنا |
|
ولم (٢) ينظر الغادى الّذى هو رائح |
أخذنا بأطراف (٣) الأحاديث بيننا |
|
وسالت بأعناق المطىّ الأباطح |
وليس تحت هذه الألفاظ كبير معنى ، وهى رائقة معجبة ، وإنما هى : ولمّا قضينا الحجّ ومسحنا الأركان وشدّت رحالنا على مهازيل الإبل ولم ينتظر بعضنا بعضا جعلنا نتحدّث وتسير بنا الإبل فى بطون الأودية.
وإذا كان المعنى صوابا ، واللفظ باردا وفاترا ؛ والفاتر شرّ من البارد ، كان مستهجنا ملفوظا ، ومذموما مردودا ، والبارد من الشعر قول عمرو بن معدى كرب :
قد علمت سلمى وجاراتها |
|
ما قطّر الفارس إلّا أنا (٤) |
شككت بالرّمح سرابيله |
|
والخيل تعدو زيما حولنا (٥) |
وقول الفند الزمانى :
أيا تملك يا تمل |
|
وذات الطوق والحجل |
ذرينى وذرى عذلى |
|
فإنّ العذل كالقتل |
وقول النمر :
يهينون من حقروا شيبه |
|
وإن كان فيهم يفى أو يبر |
__________________
(١) الأمالى : ٣ ـ ١٦٦ ، الشعر والشعراء ١١
(٢) فى الشعر والشعراء : «ولا ينظر الغادى»
(٣) أطراف الأحاديث : ما يستطرف منها ويؤثر.
(٤) اللسان ـ مادة قطر. وقطرت الرجل : صرعته صرعة شديدة.
(٥) السرابيل : الدروع. زيما : متفرقة.