وقول أبى العتاهية :
مات والله سعيد بن وهب |
|
رحم الله سعيد بن وهب |
يا أبا عثمان أبكيت عينى |
|
يا أبا عثمان أوجعت قلبى |
والبارد فى شعر أبى العتاهية كثير ؛ والشعر كلام منسوج ، ولفظ منظوم ، وأحسنه ما تلاءم نسجه ولم يسخف ، وحسن لفظه ولم يهجن ، ولم يستعمل فيه الغليظ من الكلام ، فيكون جلفا بغيضا ، ولا السّوقىّ من الألفاظ فيكون مهلهلا دونا ؛ فالبغيض كقول أبى تمام (١) :
جعل (٢) القنا الدرجات للكذجات ذا |
|
ت الغيل والحرجات والأدحال (٣) |
قد كان حزن الخطب فى أحزانه (٤) |
|
فدعاه داعى الحين للأسهال (٥) |
وقوله (٦) :
يا دهر قوّم من أخدعيك فقد (٧) |
|
أضججت هذا الأنام من خرقك |
ولا خير فى المعانى إذا استكرهت قهرا ، والألفاظ إذا اجترّت قسرا ، ولا خير فيما اجيد لفظه إذا سخف معناه ، ولا فى غرابة المعنى إلّا إذا شرف لفظه مع وضوح المغزى ، وظهور المقصد.
وقد غلب الجهل على قوم فصاروا يستجيدون الكلام إذا لم يقفوا على معناه إلا بكدّ ، ويستفصحونه (٨) إذا وجدوا ألفاظه كزّة غليظة ، وجاسية غريبة ، ويستحقرون الكلام إذا رأوه سلسا عذبا وسهلا حلوا ؛ ولم يعلموا أنّ السهل أمنع جانبا ، وأعزّ مطلبا ؛ وهو أحسن موقعا ، وأعذب مستمعا.
__________________
(١) ديوانه : ٢٦١ ، ٢٦٢.
(٢) فى الديوان : جعلوا.
(٣) الكذج : المأوى (معرب). الغيل ـ بالكسر ويفتح : الغاب. الحرجات : مجتمعات الأشجار. الأدحال : مصانع تجمع الماء.
(٤) الحزن ـ بفتح فسكون : ما غلظ من الأرض
(٥) فى الديوان : «بالأسهال». الحين : الهلاك. وأسهل : صار إلى السهل ، وهو ضد الحزن.
(٦) ديوانه : ٣٦٢
(٧) الأخدع : عرق فى المحجمتين ، وهو شعبة من الوريد. والخرق : الجهل.
(٨) فى ط «يستصحفونه» ، وصوابه عن ا ، ب.