الفصل الثّانى
فى التنبيه على خطأ المعانى وصوابها ليتّبع من يريد العمل برسمنا مواقع
الصواب فيرتسمها ، ويقف على مواقف الخطأ فيتجنّبها
فنقول : إن الكلام ألفاظ تشتمل على معان تدلّ عليها ويعبر عنها ، فيحتاج صاحب البلاغة إلى إصابة المعنى كحاجته إلى تحسين اللفظ ؛ لأنّ المدار بعد على إصابة المعنى ، ولأنّ المعانى تحلّ من الكلام محلّ الأبدان ، والألفاظ تجرى معها مجرى الكسوة ، ومرتبة إحداهما على الأخرى معروفة.
ومن عرف ترتيب المعانى واستعمال الألفاظ على وجوهها بلغة من اللغات ، ثم انتقل إلى لغة أخرى تهيّأ له فيها من صنعة الكلام مثل ما تهيأ له فى الأولى ؛ ألا ترى أنّ عبد الحميد الكاتب استخرج أمثلة الكتابة التى رسمها لمن بعده من اللسان الفارسى ؛ فحوّلها إلى اللسان العربى. فلا يكمل لصناعة الكلام إلا من يكمل لإصابة المعنى وتصحيح اللفظ والمعرفة بوجوه الاستعمال.
والمعانى على ضربين :
ضرب يبتدعه صاحب الصناعة من غير أن يكون له إمام يقتدى به فيه ، أو رسوم قائمة فى أمثلة مماثلة يعمل عليها. وهذا الضرب ربما يقع عليه عند الخطوب الحادثة ، ويتنبّه له عند الأمور النازلة الطارئة.
والآخر ما يحتذيه على مثال تقدّم ورسم فرط (١).
وينبغى أن يطلب الإصابة فى جميع ذلك ويتوخّى فيه الصورة المقبولة ، والعبارة المستحسنة ، ولا يتكل فيما ابتكره على فضيلة ابتكاره إياه ، ولا يغرّه ابتداعه له ؛
__________________
(١) فرط : سبق.