الحروف. وقيل زياد الأعجم لنقصان آلة نطقه عن إقامة الحروف ، وكان يعبّر عن الحمار بالهمار ، فهو أعجم ، وشعره فصيح لتمام بيانه.
فعلى هذا تكون الفصاحة والبلاغة مختلفتين ؛ وذلك أنّ الفصاحة تمام آلة البيان فهى مقصورة على اللفظ ؛ لأن الآلة تتعلّق باللفظ دون المعنى ؛ والبلاغة إنما هى إنهاء المعنى إلى القلب فكأنها مقصورة على المعنى.
ومن الدليل على أنّ الفصاحة تتضمّن اللفظ ، والبلاغة تتناول المعنى أنّ الببّغاء يسمى فصيحا ، ولا يسمى بليغا ، إذ هو مقيم الحروف وليس له قصد إلى المعنى الذى يؤدّيه.
وقد يجوز مع هذا أن يسمّى الكلام الواحد فصيحا بليغا إذا كان واضح المعنى ، سهل اللفظ ، جيّد السبك ، غير مستكره فجّ ، ولا متكلّف وخم ، ولا يمنعه من أحد الاسمين شيء ، لما فيه من إيضاح المعنى وتقويم الحروف.
وشهدت قوما يذهبون إلى أنّ الكلام لا يسمّى فصيحا حتى يجمع مع هذه النعوت فخامة وشدة جزالة ، فيكون مثل قول النبى صلىاللهعليهوسلم «ألا إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه برفق ، فإنّ المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى». ومثل كلام الحسين بن على رضى الله عنهما : إن الناس عبيد الأموال ، والدين لغو على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم فإذا محصوا بالابتلاء قلّ الديانون. ومثل المنظوم قول الشاعر :
ترى غابة الخطىّ فوق رءوسهم |
|
كما أشرفت فوق الصّوار قرونها (١) |
قالوا : وإذا كان الكلام يجمع نعوت الجودة ، ولم يكن فيه فخامة وفضل جزالة سمّى بليغا ولم يسمّ فصيحا ؛ كقول بعضهم ـ وقد سئل عن حاله عند الوفاة
__________________
(١) الخطى : الرماح نسبت إلى الخط ، وهو مرفأ السفن بالبحرين. والصوار (بالضم ويكسر) :
القطيع من بقر الوحش.