وأعجب منه قوله أيضا (١) :
صدّت هريرة عنّا ما تكلّمنا |
|
جهلا بأمّ خليد حبل من تصل |
أإن رأت رجلا أعشى أضرّ به |
|
ريب الزّمان ودهر خاتل خبل |
وأىّ شيء أبغض عند النساء من العشا والضر يتبيّنه فى الرجل؟ وأعجب ما فى هذا الكلام أنه قال : حبل من تصل هذه المرأة بعدى وأنا بهذه الصفة من العشا والفقر والشّيب؟ فلا ترى كلاما أحمق من هذا.
ومن اضطراب المعنى قول امرئ القيس (٢) :
أراهنّ لا يحببن من قلّ ماله |
|
ولا من رأين الشّيب فيه وقوّسا (٣) |
وهن يبغضنه من قبل التقويس ، فما معنى ذكر التقويس؟ فأما بغضهنّ لمن قوّس فجدير وليس ببديع.
ومن الجيّد فى هذا الباب قول بعض المتأخرين (٤) :
لقد أبغضت نفسى فى مشيبى |
|
فكيف تحبنى الخود (٥) الكعاب |
وقلت (٦) :
فلا تعجبا أن يعبن المشيب |
|
فما عبن من ذاك إلّا معيبا |
إذا كان شيبى بغيضا إلىّ |
|
فكيف يكون إليها حبيبا |
ومن فساد المعنى قول النابغة (٧) :
تحيد عن أستن سود أسافله |
|
مشى الإماء الغوادى تحمل الحزما (٨) |
وإنما تحمل الإماء حزم الحطب عند رواحهنّ ؛ فأما غدوهنّ إلى الصحراء فإنهن مخفّات.
__________________
(١) القصائد العشر : ٢٩٤
(٢) ديوانه : ١٢٩
(٣) قوس الشيخ : انحنى
(٤) هو ابن المعتز كما فى ديوان المعانى : ٢ ـ ١٥٧ وديوانه ١٣٥
(٥) الخود : جمع خود ، بفتح وسكون : الشابة الحسنة الخلق أو الناعمة
(٦) ديوان المعانى : ٢ ـ ١٥٧
(٧) ديوانه : ٩٥ ، واللسان ـ مادة ستن.
(٨) الأستن ، على وزن أحمر : شجر يفشو فى منابته ويكثر ، وإذا نظر إليه الناظر من بعد شبهه بشخوص الناس.